استضاف منتدى الإذاعة الثقافية أمس الدكتور جمال يحياوي مدير المركز الوطني للدراسات التاريخية في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، ليتناول قضايا عدة مرتبطة بالتاريخ الوطني وبمهام المركز وجهوده لترسيخ البحث العلمي الأكاديمي الخاص بالتاريخ للخروج بهذا الأخير من نفق الكتابة السطحية والمشبوهة أحيانا إلى التسجيل والتأسيس. بداية تحدث الضيف عن المركز الذي أشار أنه تأسس في منتصف التسعينيات أي في فترة صعبة كانت تعيشها الجزائر، وكان بمثابة محاولة لإعادة كتابة التاريخ الوطني بشكل أكاديمي كما كان تجسيدا وتثمينا لجهود الدولة في هذا المجال، ومر المركز بعدة مراحل ليستقر مع بداية الألفية على الطابع الأكاديمي. يركز المركز في دراساته على تاريخ الحركة الوطنية والثورة من سنة 1830 إلى غاية 1962 بكل ما يحمله هذا التاريخ من سياسات استعمارية، ونضال الحركة الوطنية وتضحيات الشعب الجزائري، وهو مؤطر من طرف باحثين دائمين في كل التخصصات (فلسفة، ترجمة، تاريخ، علم اجتماع، قانون، أدب، وغيرها) ويحدد المجلس العلمي للمركز والمكون من دكاترة دراسة الملفات التاريخية التي يتوجب تناولها، كما يصدر مجلته الدورية »إصدارات« المطلوبة في الداخل والخارج إضافة إلى نشريات أخرى عديدة إلى جانب تنظيم ملتقيات وطنية ودولية يشارك فيها باحثون من القارات الخمس، ويساهم في الإنتاج الفني المتعلق بتاريخ الجزائر، إضافة إلى التكريمات والتي كان منها مثلا تكريم شيخ المؤرخين الدكتور بلقاسم سعد الله الذي أصدر له مجموعته الكاملة في 22 مجلدا، وكرم مؤخرا المؤرخ الراحل محفوظ قداش بوهران. كما أصدر المركز مؤخرا 30 كتابا خاصا بمشاريع بحث جامعية وأصدر 150 عنوانا السنة الفارطة تعتبر أمهات الكتب منها 40 عنوانا مترجما، وهناك حاليا مشروع 30 عنوانا. وتحدث الدكتور يحياوي عن بعض الصعوبات التي يلقاها المؤرخون في كتابة التاريخ الوطني منها غياب الوثائق وسكوت الفاعلين الذين لم يدوّنوا هذا التاريخ في مذكراتهم، ناهيك عن أن تاريخنا كتب بأقلام الخصم الفرنسي وكلها تهدف إلى تبييض وجه الاستعمار في الجزائر كما عمدت هذه المدرسة الكولونيالية منذ القرن ال 19 على إعطاء التبريرات لما اقترفته فرنسا في الجزائر، لذلك عمد الباحثون الجزائريون إلى انتهاج الكتابات المعتدلة التي تطرح التاريخ كما وقع. وأوضح المتحدث ل »المساء« أن المركز عمد مؤخرا إلى طريق البحث الأكاديمي المعمق ومخاطبة النخبة أكثر من اعتماده على النشاط الإعلامي العادي، كما اتجه للتعاون أكثر مع مختلف الهيئات الوطنية منها مثلا المركز الوطني للأرشيف الذي يمثل رئيسه الدكتور عبد المجيد شيخي واحدا من أعضاء المجلس العلمي بالمركز إضافة إلى التعاون مع هيئات ومصالح أجنبية، منها مثلا التعاون مع المعهد الأعلى للحركة الوطنية بتونس وبعض المعاهد بالمغرب وبباقي الدول العربية على الرغم من قلة مراكز البحث التاريخي بها، كما أن هناك إتفاقية بحث أبرمت مؤخرا مع ايران خاصة بالرقمنة إضافة إلى التعاون مع خبراء من شتى دول العالم. كما ينوي المركز إصدار أقراص مضغوطة لفائدة الشباب خاصة بالتاريخ في اسلوب جذاب وبلغة يفهمها الجميع. للتذكير فإن المركز يعتبر الآن قطبا علميا يجمع كل المؤرخين الجزائريين كما أنه هيئة استشارية، ومكان يقصده كبار موظفي الدولة.