وهيبة منداس/ : يتفق الكتاب والمحللون السوسيولوجيون الروس، وباقي فروع العلوم الاجتماعية والسياسية، أن التطرف الديني في الجزائر والعالم العربي وحتى في روسيا والعالم الغربي، هو ظاهرة عنيفة مرتبطة بالفقر والتناقضات داخل البنى الاجتماعية، وتقاسم الثروة غير العادل، إلى جانب تراجع أداء النخب والإنتلجنسيا في ظل تعقيدات مجتمع العولمة وضغوطها. أوضح المستشرق الروسي روبير لاندا أول أمس خلال مداخلته بالمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر التي حضرها نخبة من الوجوه الثورية والسياسية، أن الأرشيف الروسي الخاص بالثورة الجزائرية بدأ يفتح تدريجيا أمام الباحثين مقارنة مع السنوات الماضية ولم يخف وجود "تنظيم صارم خاص بهذا التراث الأرشيفي لأنه ثمة ما يمكن الاستفادة منها الآن وآخره لا"• كما أضاف بخصوص الاعتراف الروسي المتأخر بالحكومة الجزائرية المؤقتة (سبتمبر 1958) أن ذلك مرتبط بتأثيرات الحزب الشيوعي الفرنسي على الروس حول التسوية لحركة التمرد الجزائري• فبعد العدوان الثلاثي 1956 على مصر اتخذ الإتحاد السوفيتي موقفا واضحا اتجاه الثورة من خلال الدعم اللوجيستيكي بالأسلحة - وتدريبات الكوادر الجزائرية بالمعاهد الروسية والدعم الدبلوماسي حيث ساند الإتحاد السوفياتي منذ 1956 القضية الجزائرية في الهيئة الأممية مشيرا إلى اللقاءات الرسمية بين الطرفين كزيارة المناضل فرحات عباس والمناضل كريم بلقاسم والمناضل محمد خميستي كما أن السفارة الروسية كانت من أول البعثات الدبلوماسية التي فتحت مكتب لها بالجزائر بعد اتفاقيات ايفيان والاستفتاء• قدم المستشرق الروسي المتميز روبير لاندا قراءة مستفيضة في أهم مسارات الاهتمام الروسي بالجزائر والمغاربي - العربي حيث بدأت أولى بوادر هذا الاهتمام في القرن 17 عبر ضباط الملاحة الروس الذين قدموا خرائط ودراسات إثنوغرافية لسكان الجزائر وتونس - كما تواصل الانشغال في القرن 19 من خلال مجموعة ثرية من المؤلفات تحيط بمختلف جوانب المنطقة وبعد الثورة البلشفية 1917 برزت جهود الباحث تراشكوفسكي في مجال الدراسات العربية كتاريخ الثقافة العربية في القرون الوسطى والشعر الأندلسي والإسلامي وتوالت دراسات فلاديمير غوتسكي في ال 30 ، وفي ال 40 ثمة اهتمام بالحركة الوطنية والعمالية وباقي المشاكل الاقتصادية والسياسية والعلاقات الإيديولوجية والتاريخ والأدب فيما انصب اهتمام الباحثين في معاهد روسية متخصصة على دراسة الثورة الجزائرية، وصدر في عام 1973 كتاب "دولة الأمير عبد القادر" و"الكفاح المسلح في القرن 19" لناتالي ميخيلوفا، مؤلف "جيش التحرير الجزائري" لغيلي كونتراديف، الشباب الجزائري والنضال ضد الكولونيالية لنيكولاي ديالوكوف ، " الفلاحين والثورة الجزائرية" للباحث نيكولاي ترونتيكين، "الجزائر وفرنسا" لنيكولاي تيري ، "التنمية السوسيوثقافية في الجزائر" التوروكوف "المشاكل الاقتصادية للثورة الصناعة البترولية للجمهورية الجزائرية" ليوريس خاردتيوف، إلى جانب كتابات غاليتا ديباشلفين، وماري ديديازوفا "البنى السوسيولوجية لما بعد الاستعمار في المغرب العربي"، وأشار روبير لاندا إلى متابعة الباحثين الروس إلى اليوم لمختلف التحولات والتغيرات التي شهدتها الجزائر ومواكبتها بدراسات كدراسات الباحث نيكولاي دياكوف، الباحثة يلينا ميلوركوفا - التي نشر عام 1998 كتاب حول "تجربة الوئام المدني في الجزائر" والجزائر تغير خياراتها التنموية" 2004، إلى جانب دراسات روسية حول أزمة ال 90 ، وتناول المحاضر مختلف الكتابات التاريخية والسياسية والسوسيوثقافية للباحثين الروسيين للجزائر ومساهمته الكبيرة في هذا المجال• أوضح المستشرق روبير لاندا أن العلاقات الجزائرية - الروسية بدأت تعود لمجراها الطبيعي في الفترة الأخيرة بعدما شهدت ضعفا وتراجعا بعد 1991 وأضاف أن المعاهد الروسية تهتم بالأدب الجزائري سواء المكتوب باللغة العربية أو اللغة الفرنسية فضلا على الكتاب الذين يعيشون في أوروبا ويكتبون بالفرنسية عن قضايا الجزائر، وثمة انشغال بدراسة جذور الثقافة الجزائرية الفن التشكيلي والموسيقى، المغاربي والمسرح مذكرا بتجربته الشخصية حيث يهتم بدراسة إسهام الجزائريين في تطور الثقافة الموريسكية• وأكد المستشرق الروسي روبير لاندا أننا نعيش عالم من الإيديولوجيات ولا وجود لايديولوجية مهيمنة ويحافظ المستشرقون الروس إلى اليوم على الخصال العلمية والموضوعية كما أن طبيعة العلاقات الودية بين الطرفين الجزائري والروسي لا تمنعهم من التثمين الموضوعي لتاريخ ثورة الجزائر وتاريخها المعاصر وقال روبير لاندا " تأكدوا أن كل ما كتبه المستشرقون الروس والباحثون الروس كتب بأيادي صديقه لكم" وأكد أن المستشرقون الروس رفضوا التشويهات التي ألصقت بالثورة الجزائرية وانطلاقا من تجربته مع كتابة تاريخ الثورة أوضح أن اهتمامه بدأ مع اندلاع الثورة 1954 واستخدم مراجع عديدة ومتنوعة لمقاربة المرحلة، إلى حين قدومه إلى الجزائر عام 1963 لأول مرة للإطلاع على مصادر داخل المكتبة الوطنية وأشار في سياق إجابته على الأسئلة أن الاستشراق في روسيا يعاني من نقص الإطارات الشابة وتجديدها حيث تواصل الجيل السابق في نقل تجربته للجيل الجديد من المتسشرقين• من جهته أكد الدكتور جمال يحياوي - مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 - أن استضافة المستشرق الروسي الكبير روبير لاندا هو فرصة لاكتشاف رؤية مغايرة لتلك التي تقدمها المدرسة الفرنسية حول الثورة الجزائرية وبالتالي هي محاولة للانفتاح على باقي المدارس في روسيا واسبانيا•• الخ مؤكدا ان المركز يحاول تأسيس وبناء ذاكرة الجزائر خصوصا لمرحلة (1830 - 1962) • واستعرض الإعلامي والباحث عبد العزيز بوباكير الذي كان أمينا في الترجمة الفورية لمداخلة روبير لاندا بالروسية أهم مؤلفات المستشرق روبير لاندا صديق الجزائر القديم الذي تربطه علاقات قوية مع الثورة الجزائرية ومساهمته الضخمة في دراسة تاريخ حركة التحرر الوطني الجزائري وقد قلده السفير الجزائريبروسيا السيد عمار عبة نيابة عن رئيس الجمهورية ميدالية "أصدقاء الثورة" عام 2005 بمناسبة الذكرى ال 50 لاندلاع الثورة، ومن أهم مؤلفاته "حركة التحرر الوطني في الجزائر 1939 - 1962"، كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الأوروبي 1830 - 1918"، أزمة النظام الاستعماري في الجزائر 1931 - 1954" تاريخ الثورة الجزائرية 1954، 1962"، "الجزائر تكسر الأغلال" • تميز اللقاء بمحورية علمية - تاريخية أجاب فيها المستشرق الروسي روبير لاندا على العديد من الأسئلة والقضايا التاريخية.