لم يجد بعض زوار حديقة التجارب بالحامة في الأيام الأولى من فتح أبواب هذا الفضاء الساحر المصنف من بين أجمل حدائق العالم من طريقة لتدشينها بعد سنوات من الغلق والإنتظار إلا الإعتداء على ثروتها النباتية والحيوانية، حيث لم يترددوا في اقتلاع الأزهار والنباتات وإتلاف أجزاء من الأرضيات المعشوشبة دوسا بالأرجل والإعتداء على الحيوانات بإرعابها وإثارة القلق والذعر فيها. والحقيقة أن ما حدث في هذه الحديقة التي كلفت أشغال إعادة تهيئتها الملايير من أموال الدولة لا تستدعي الإستغراب ولا حتى التساؤل عن أسباب هذه الأفعال المشينة لأن ما نسجله في حياتنا اليومية من إهمال واعتداءات تتعرض لها يوميا بيئتنا كفيل بتفسير ذلك. فهذه أشجار تتلف ونباتات تقتلع على مرأى الجميع من طرف الكبار والأطفال على حد سوى وتلك نفايات تغزو الغابات والمساحات الخضراء وحتى الشواطئ الجميلة دون الشعور بالذنب ولا حتى أدنى درجة من الشعور بالمسؤولية وصدق المثل القائل "إذا عرف السبب بطل العجب". كل هذه السلوكات هي في الحقيقة لايمكن أن تدل إلا على واقع معاش يتمثل في البعد الشاسع الذي لا يزال يفصلنا عن ثقافة احترام البيئة التي بدونها لا يمكننا اكتساب الحس المرهف اتجاه ما وهبه الله لنا من خيرات نباتية وحيوانية وغيرها وبالتالي الإقتناع بتأثير هذه الثروات مهما كان نوعها في حياتنا اليومية فتدهور البيئة يعني لا محال تدهور الظروف التي تحيط بحياة الانسان. إن الوسيلة الوحيدة الأنجع اليوم والكفيلة بجعل احترام البيئة واسترجاع مكانة الفضاء الأخضر من أولى اهتمامات المواطن هو أن تصبح المساحات الخضراء جزءا لا يتجزأ من المشاريع السكنية المنجزة والتي غالبا ما تجاهلت الجانب الأخضر حتى أضحى المواطن محاصرا بين كتل الأسمنت وزادت من إتساع الهوة بينه وبين كل ما هو أخضر. فهل يعقل أن نطالب أحدا بشيء يفتقده ؟ علما أن فاقد الشيء لا يعطيه !