أصبحت حديقة التجارب بالحامة منذ أن أعيد فتحها في الثاني ماي الماضي الوجهة المفضلة للزوار، وخاصة العائلات التي وجدت في هذا المتحف الطبيعي متنفسا لها في نهاية الأسبوع وأيام العطل، حيث يتحول هذا المرفق إلى قبلة لآلاف الزوار من العاصمة وخارجها، ما صعب من مهمة أعوان الأمن والحراسة الذين يسعون لفرض الانضباط والمحافظة على المحيط الداخلي، خاصة مع وجود بعض المواطنين الذين يصعب التعامل معهم على حد تعبير عون أمن، حيث لا يلتزم هؤلاء بالتعليمات الخاصة بنظافة المحيط وعدم إتلاف النباتات والاعشاب بهذه الحديقة الفريدة من نوعها في الجزائر. المار بالطريق القريب من مدخلي الحديقة على شارعي حسيبة بن بوعلي وبلوزداد يلاحظ حشود المواطنين الذين يقبلون على اقتناء التذاكر خارجا قبل التوجه إلى داخل الحديقة التي تفتح أبوابها في التاسعة صباحا، مما جعل أعوان الأمن والشرطة يكثفون من نشاطهم للتحكم في الوضع وحفظ أمن الحديقة وسلامة الزوار، والحفاظ على سمعة هذا الفضاء الذي تحول في السابق إلى وكر للمنحرفين، وقد أسرّ مسؤول الأمن ل"المساء"أنه تم تحويل العديد من الأزواج العشاق الذين لم يحترموا التعليمات المعمول بها إلى أقسام الشرطة لاستجوابهم والتحقيق معهم ومعاقبتهم بتهمة التعدي على حرمة المكان والعائلات التي تقصده، خاصة بالنسبة لبعض الحالات التي يتجاوز فيها هؤلاء الحدود، حيث لا تشفع حسب محدثنا تدخلات"المعارف" في الحالات التي يتم ضبطها نتيجة اقتياد هؤلاء الأزواج إلى مركز الشرطة المتواجد داخل الحديقة، ومنه إلى مراكز الشرطة بالعاصمة، وهي الإجراءات التي مكنت من التحكم في الأمر وفرض الانضباط. فالمتجول بمختلف أركان الحديقة التي تضم حديقتين واحدة على النموذج الفرنسي الكلاسيكي وأخرى بالطابع البريطاني، يلاحظ الانتشار المكثف لأعوان الأمن والحراسة الذين يفرضون الانضباط، من بينهم عونات أمن يقمن بتفتيش الزائرات، كما يقوم أعوان النظافة من مؤسسة "ناتكوم" كما يبدو من بذلتهم بالتنظيف ورش الطريق لإزالة الغبار بصفة مستمرة، ليحافظ هذا الفضاء على سحره وجماله الخلاب الذي أصبح يستهوي مواطني العاصمة وحتى من خارجها. وما جلب الزوار إلى الحديقة هو موقعها القريب وتنوع غطائها النباتي، حيث تتوفر على 2500 نوع من النباتات وأشجار عمرها مئات السنين، من بينها أشجار نادرة استقدمت من مختلف أنحاء العالم، وأكثر من 25 نوعا من أشجار النخيل، فضلا عن مناخها واقترابها من الساحل والبحر والرطوبة المرتفعة التي صنعت مناخا استوائيا استثنائيا يعتبر فريدا من نوعه في شمال إفريقيا، حيث يأتي الزوار ومعظمهم عائلات رفقة أطفالهم، يوميا إليها بهدف التنزه في الممرات التي تظللها الأشجار المتنوعة الضخمة والطويلة جدا كأشجار النخيل والدلب، والاستمتاع بالورود والمناظر المختلفة وأخذ صور تذكارية بها. تنبيه ومراقبة مستمرة للزوار يحرص القائمون على حفظ النظام الداخلي للحديقة على تذكير الزوار بقائمة الممنوعات، وضرورة احترام خصوصية المكان من خلال تلاوتها عبر مكبر للصوت من فترة إلى أخرى، حيث يمنع تجاوز الحدود والحواجز، وعدم إزعاج الحيوانات وإعطائها الأكل، والمحافظة على المحيط الداخلي، ويرى عون أمن بالحديقة أنه كان من الصعب ضبط الأمور في الأيام الأولى بعد إعادة فتح الحديقة التي يزورها الآلاف خاصة نهاية الأسبوع، حيث تأتي العائلات مرفوقة بالأطفال بحثا عن الراحة والترفيه خاصة في العاصمة التي تعاني من نقص كبير في الأماكن والفضاءات المخصصة لذلك وسط التوسع العمراني المخيف، وقال محدثنا إنه تم ضبط نساء يسرقن النباتات، ما جعل الأعوان يكثفون الحراسة للتحكم في التدفق البشري الذي تعرفه الحديقة، بالإضافة إلى تذكير الزوار بالتعليمات من حين لآخر باستعمال الصفارات لتنبيههم، وحث الأولياء على إلزام أطفالهم بما كتب على اللافتات التي تمنع المشي على العشب خاصة بالقرب من النافورتين المتباعدتين قليلا، حيث رسمت لوحة طبيعية رائعة بالأزهار مختلفة الألوان. وقد فرضت الرقابة الصارمة وانتشار أعوان الرقابة والأمن الوطني احترام الضوابط والنظام الجديد الذي يمنع إتلاف النباتات أو دوسها، ويستعين أعوان الحراسة في فرض التعاليم والحد من التجاوزات التي أدت إلى تدهور وضعية الحديقة قبل غلقها في 2004 بأعوان الشرطة الذين يتدخلون في الوقت المناسب لفرض احترام التعليمات الصارمة عندما يتم التبليغ عن ذلك، حيث يطوف هؤلاء بالأماكن المشبوهة بصفرة مستمرة حسب ما لاحظناه بعين المكان كما يرافق هؤلاء كلابا مدربة يستعان بها في حفظ الأمن والانضباط. "الحامة" تستهوي الأجانب أيضا تتمتع الحديقة التي أصبحت تحت وصاية ولاية الجزائر بعد إعادة تهيئتها بسمعة طيبة باعتبارها من بين أجمل حدائق العالم، والدليل هو إقبال بعض الزوار الأجانب الذين عبروا ل"المساء" عن جمال وروعة هذا المكان وتنوع الغطاء النباتي والأزهار، بالإضافة إلى حديقة الحيوانات المزينة بممرات من الأشجار التي تغطي وتظلل جزءا كبيرا من الأرض والسياج، ويكتشف الزائر لحديقة الحيوانات التي يطلب من زائرها الصبر الطويل لدخولها نظرا للعدد الهائل من زوارها الذين يفضلون الاستمتاع رفقة أطفالهم بمشاهدة اللبؤة التي تبدو متعبة لكبر سنها حسب ما أكدته لنا البيطرية "أسوس"، فأنثى الأسد ليست الوحيدة من بين الحيوانات التي ألفت الشاب الذي يقدم لها الطعام، إلى درجة أنها تنتقل للأكل بمجرد أن يشار إليها. وما يبهر أكثر في الحديقة المخصصة للحيوانات تلك الطيور المتنوعة التي تسبح في حوض رائع الشكل، بالإضافة إلى أنواع أخرى كالنسر، الببغاء، الطاووس، الغزلان، الصقور، الفنك، الماعز والحصان التي تخضع للفحص اليومي بالعيادة البيطرية التي تضم غرفة للفحص وأخرى للجراحة، بالإضافة إلى المراقبة اليومية للإسطبلات حفاظا على نظافتها. ومن حسن حظ زوار هذه الحديقة التي تتربع على 32 هكتارا، سعي الوصاية لإرضائهم وجعل دخولهم ممكنا من خلال اعتماد سعر متنوع للتذاكر التي حددت بستين دينارا للبالغين، وسعر رمزي للأطفال لا يتجاوز عشرين دينارا، كما استفاد المسنون الأكثر من ستين سنة والعاجزون أو ذوو الإعاقة الحركية من تخفيض للسعر، وهي مبالغ تسمح لهم بالتمتع بمختلف الحدائق، كالحديقتين الفرنسية والبريطانية، ومدرسة تعليم زراعة الحدائق والجنائن التي ستتدعم بأنواع أخرى من النباتات، حيث يستقبل مدير الحديقة في هذا الإطار وفودا من بلدان مختلفة في إطار التبادل مع بلدان أجنبية، خاصة أن معظم الأشجار يفوق عمرها مائة سنة، وهو ما يتطلب تجديدها. ويرى القائمون على الحديقة أن هذه الأخيرة تشهد توافدا أكبر للزوار عندما يشتد حر الصيف الذي يبحث فيه المواطنون عن الراحة وبرودة الطقس، خاصة أن المتجول بين الأشجار المتماسكة ببعضها يشعر بالبرودة في الحديقة الانجليزية المغلقة مقارنة بنظيرتها الفرنسية، وتحسبا لذلك وضعت إدارة الحديقة أوقاتا خاصة بالدخول والخروج في فترة الصيف، والتي تكون من التاسعة صباحا إلى السابعة مساء ابتداء من شهر ماي إلى غاية شهر سبتمبر، بدلا من التاسعة إلى الخامسة مساء المعمول بها في الفترة الشتوية، حيث تم العمل بهذه الرزنامة تزامنا مع العطلة المدرسية التي يفضل الأولياء مرافقة أبنائهم لمثل هذه الفضاءات للتنزه والترويح عن النفس.