تعود، مجددا، ذكرى الفنان الراحل عز الدين مجوبي، ويعود معها وابل من الذكريات والأعمال التي بقيت بصمة في ذاكرة الفن الجزائري لا تمحوها السنوات مهما مرت. وفي هذا التاريخ القار في سجل المسرح الجزائري، يتذكره البعض، ليدوّنوا ما سمحت لهم الذكريات والانفعالات. في الذكرى، استعاد البروفيسور احسن تليلاني، مدير الثقافة بعنابة، الكثير من الأيام الخوالي التي صنعت مجد الخشبة. وقال إن مجوبي، رحمه الله، كان فنانا صادقا، ملتزما بقضايا المجتمع والأمة. وما استشهاده برصاص الإرهاب والغدر عند جدار المسرح الوطني الجزائري في 13 فيفري 1995، إلا دليل على قوة صوته، ومسرحه الذي أزعج قوى الشر والتخلف. ثم أضاف: "إن مسرح عز الدين مجوبي هو مسرح شعبي بسيط جدا، وعميق جدا جدا؛ إنه مسرح الناس، يصور معاناتهم، ويشخّص آمالهم وطموحاتهم، بل هو مسرح نضالي مقاوم، يعرّي الواقع، ويفضحه، ويضحك عليه من قبيل "شر البلية ما يضحك!"؛ إنه مسرح الكوميديا السوداء؛ حيث يمتزج الاجتماعي مع السياسي، والهزل مع الجد". عز الدين مجوبي، حسب المتحدث، رفض الهجرة والهروب إلى الخارج مثل ما فعل البعض، وظل هنا في الجزائر يقاوم الشر، ويزرع الخير بكل شجاعة حتى إنه كان يدلي بتصريحات صحفية ضد الظلاميين الأشرار، ويخرج المسرحيات، ويصر على فتح أبواب المسرح الوطني الذي كان مديرا له، فقرروا تصفيته واغتياله لإسكات صوته يوم 13 فيفري 1995. ولاسترجاع هذه الذكرى، خصص المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين باشطارزي"، برنامج عروض مسرحية افتراضية، حسبما أفاد بذلك الموقع الإلكتروني لهذه المؤسسة الثقافية. وفي هذا الإطار، برمجت عبر قناتها على "اليوتوب" عروضا إلى غاية 20 فيفري الجاري. وقد استُهل بعرض مسرحية "لحوينتة"، وهي من أشهر الأعمال المسرحية للمحتفى به. وتتواصل برمجة العروض المسرحية الافتراضية التي شارك في أدائها أو إخراجها فقيد المسرح الجزائري عز الدين مجوبي، بعرض "قالوا لعرب قالوا"، و"عالم البعوش" (1993) مع المسرح الجهوي لباتنة، والتي تُوجت بجائزة أحسن ممثل في مهرجان قرطاج الدولي للمسرح بتونس، و"الحوينتة" مع مسرح بجاية، و"الشهداء يعودون هذا الأسبوع" التي حصدت الكثير من الجوائز. وشكلت كل تلك الأعمال تجارب ركحية قوية في بنية المسرح الجزائري. كما كان الفقيد ملتزما بنقل قضايا البسطاء وهموم المجتمع. للإشارة، الفنان عز الدين مجوبي من مواليد 30 أكتوبر 1945 بمدينة عزابة بولاية سكيكدة. ويُعد من أعظم المسرحيين الجزائريين المعاصرين، خاصة بأدائه الرائع في مسرحيات "حافلة تسير"، و"الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، و"العيطة"، وغيرها من الأعمال. وظل الكثير من الأكاديميين والنقاد في المسرح، يعتبرون عز الدين مجوبي(1945 -1995)، "مدرسة في أداء التمثيل في الجزائر"، حيث تبرهن الأدوار التي أداها في مختلف أعماله المسرحية، على قدرته الفائقة في فن التمثيل. وقد أضاف هذا المسرحي من خلال تجسيده بعض الأدوار، مسحة من الإنسانية بفضل إلقائه الرصين، وقدراته الصوتية، وإيقاعاته التمثيلية التي تحمل دلالات لتنوير المتلقي وتوعيته، وكذا في تعرية الواقع، ودفاعه عن الجزائر العميقة، وتحدّيه الظلامية خلال العشرية السوداء التي أدت إلى اغتياله. وكان هؤلاء دعوا إلى أن تنال أعماله المسرحية حقها من الدراسة والتحليل والنقد، ما يتطلب إعادة قراءة مسرحياته لإضاءة دلالاتها العميقة. الراحل عز الدين مجوبي كان وطنيا وفنانا ملتزما، يحمل مشروعا ثقافيا نهضويا. برز من خلال قدرات فائقة في الإلقاء وفي الحركات. وبدأ مشواره في الستينيات كممثل في فرقة الإذاعة الوطنية بالجزائر العاصمة، قبل أن يخوض تجربته بالمسرح الوطني. كما أسس الراحل، بعدها، رفقة شريف عياد وصونيا وامحمد بن قطاف، الفرقة المستقلة "القلعة" (1990)، التي أنتجت أعمالا رائدة. كما كان الراحل عُيّن مديرا للمسرحين الجهويين بباتنة وبجاية، قبل أن ينصَّب مديرا للمسرح الوطني مطلع عام 1995، حيث اغتيل عند مدخل المسرح. الفنان الراحل عز الدين مجوبي-البروفيسور احسن تليلاني، مدير الثقافة بعنابة