تشكل النفايات الخاصة بمخابر تحاليل الدم مشكلا حقيقيا لا يجد له مسيرو هذه المخابر حلا ناجعا، علما إن كل مخبر ينتج يوميا ما يوازي 3 كلغ نفايات، في وقت يصل فيه عدد هذه المخابر على المستوى الوطني إلى حوالي 400 مخبر، وهو عدد مرشح للزيادة في السنوات القليلة القادمة، وبعملية حسابية بسيطة فإن معدل النفايات الصادرة يوميا عن هذه المخابر يصل إلى 1200 كلغ يوميا، لا يوجد مكان قار للتخلص منها سوى بحرقها بآلات الترميد في المستشفيات، هذه الأخيرة تعاني من إفراط كبير في الاستغلال، ما يصعب مهمة أصحاب مخابر تحاليل الدم في التخلص من هذه النفايات الخطيرة مثلما يشرحه ل"المساء" الدكتور الهاشمي ولد رويس، رئيس الجمعية الجزائرية لمخابر تحاليل الدم وعضو الفدرالية العربية والفدرالية الأورو متوسطية والاتحاد العالمي للبيولوجيا السريرية في هذا الحوار. - بداية دكتور نود أن نعرف لماذا تقوم بعض الصيدليات بإجراء أنواع من تحاليل الدم، وهو الأمر الذي يعتبره البعض تعديا على عمل مخابر تحاليل الدم ؟ * هناك أنواع معينة فقط من التحاليل التي يجريها الصيادلة مثل قياس نسبة السكر واختبار الأنيميا واختبار الحمل، ويجب معرفة أن الصيادلة تلقوا في تكوينهم بعض مفاهيم إجراء التحاليل التي أصبحت فيما بعد اختصاصا طبيا قائما بحد ذاته. وبعبارة أدق فإن التحاليل الطبية قبل السبعينات كانت تجرى كما يقال وراء أبواب الصيادلة، ثم تطورت بصفة سريعة لتصبح اختصاصا طبيا بل أصبحت أكثر من ذلك، بحيث أصبحت تقنية ثابتة تعتمد على وسائل كثيرة ومتطورة جدا، هذا ما يفسر أنه اختصاص أكبر من الطب الذي كان الفضل في تطوره إلى تطور تقنيات التشخيص والإشعاع أما ميدان التحاليل فمتجدد وبسرعة كبيرة وبفضله يمكن الكشف على أمراض كثيرة وعلى التقليل من نفقات الصحة العمومية.
1200 كلغ نفايات المخابر يوميا - قبل الحديث عن الكشف عن الأمراض، ألا تساهم مخابر تحاليل الدم في انتشار بعض الأمراض والفيروسات وهو ما قد يضع سمعة المخابر في المحك؟ * لا، إطلاقا. ما يجب ان يعرفه المواطن ان كل الوسائل التي تجرى بها عملية أخذ عينة الدم معقمة وقد تجاوزنا مرحلة التأكيد على هذه النقطة، المشكل إنما يظهر بالنسبة للممارس الطبي بحد ذاته، فكثيرا ما تسجل حالات صدمة بعد وخز الإبر لأخذ عينة الدم حتى بالنسبة لأقدم ممارس طبي في تحليل الدم، فأنا مثلا أتحدث عن نفسي فقد أصبت قبيل أربع سنوات في عيادتي بصدمة قوية ودوخة بعد أخذ عينة دم من رضيع أصيب مباشرة بسكتة قلبية لم ينجو منها إلا بعد تدخلي السريع والمباشر بعمل تدليك قلبي وما زالت الحادثة عالقة بذهني. كذلك توفي رضيع بعد أخذ عينة دم منه من طرف ممرضة متمرسة. مثل هذه الحوادث ساهمت في تلطيخ الصورة ولكنها نادرة، وأصر في هذا المقام على اليقظة المستمرة وقت عمليات أخذ عينات الدم. وللإجابة على سؤالك حول مخاطر انتشار العدوى فإني أرى ان الممارس الطبي هو الذي يواجه خطر الإصابة بعدوى فيروسات كثيرة، والمشكلة تظهر أساسا في التخلص من النفايات الخاصة بمخابر التحاليل. هناك قانون جزائري جيد وواضح في الموضوع ولكنه للأسف لا يعطي بدائل كثيرة. هذا القانون يتحدث عن التخلص من نفايات المخابر وكلها تتمثل في الإبر المستعملة في الوخز والمستلزمات الزجاجية للمختبرات والتي لا يمكن بأي شكل من الأشكال التخلص منها عشوائيا ما يلزم المخابر بحرقها بالمرامد المتخصصة وهنا بالعاصمة لا توجد إلا بالمستشفيات الكبرى والتي تعاني من إفراط كبير في الاستعمال وهو ما يكون سببا في رفض طلب مخابر تحاليل الدم في حرق نفاياتها بتلك المرامد المتخصصة، وهو ما يجعلنا نواجه مشكلة كبيرة ومتواصلة في التخلص من هذه النفايات. وهذا المشكل من أكبر المشاكل التي تواجه المخابر بصفة يومية، فحتى تخزين النفايات ممنوع بالقانون ولذلك نطالب كجمعية وطنية لمخابر تحاليل الدم من الجهات المعنية بضرورة الإسراع لإيجاد حل لهذه المشكلة المتفاقمة خاصة إذا علمنا ان معدل إنتاج مخبر واحد من النفايات يصل إلى حوالي 3 كلغ يوميا وهناك تقريبا 400 مخبر تحليل دم عبر الوطن وعددهم مرشح للتضاعف قريبا خاصة مع القانون الجديد الذي يمنح الحق لبعض الممارسين المتخصصين بفتح مخابر للتحاليل. - هل يعني هذا ان كل ممارس طبي يمكنه إجراء تحاليل دم ألا يشكل هذا خطرا كبيرا على صحة البشر؟ * بالفعل، فيه خطورة كبيرة وهذا ما نسعى إلى توضيحه كجمعية وطنية لمخابر تحاليل الدم عبر عدة مراسلات إلى جهات معنية على رأسها وزارة الصحة. ولابد أولا من توضيح أمر ما، تخصص البيولوجية السريرية في بداية السبعينات كان يضم عدة تخصصات في نفس الوقت منها:البيوكيمياء الطبية، الهيموبيولوجيا، الميكروبيولوجيا الطبية، الامونولوجيا أوعلم المناعة الطبية والبارزتولوجيا أوعلم الطفيليات والفطريات الطبية. والمختص في البيولوجيا السريرية له تكوين في هذه التخصصات التي تمكنه من إجراء تحاليل بكفاءة سواء تحليل الدم، البول أوالفضلات بغرض تشخيص بيوكيميائي أو طفيلي أومناعي أوجرثومي. وبينما يتكون أطباء وصيادلة في البيولوجيا السريرية يتكون آخرون في اختصاص واحد في مادة واحدة من البيولوجيا الطبية وهذا بغرض التمكن الجيد في المادة وتدريسها في الكلية وأيضا من أجل العمل في مخابر متخصصة والبحث العلمي الطبي، ولكن خبرتهم تلك في ذلك التخصص يقابله عدم إلمام ببقية التخصصات الأخرى للبيولوجيا السريرية التي تم ذكرها ما يجعلنا نتحدث عن نقطة حساسة جدا تعنى بمنح الرخصة لفتح مخبر تحاليل لا تعطى إلا للطبيب أوصيدلي صاحب شهادة اختصاص طبي في البيولوجيا السريرية ولكن منذ 14 افريل 2008 صارت تعطى لكل واحد عنده شهادة اختصاص في أيٍّ من الاختصاصات التي ذكرناها من قبل، ما يمكن صاحب الاختصاص الفردي من القيام بتحاليل طبية في ميادين لم يسبق له التكوين فيها من قبل وهذه الوضعية سوف يكون لها عواقب سلبية في نوعية التحاليل، علما ان الطبيب المختص في التحاليل يجبره القانون بالنتيجة وليس بالوسيلة مثل الطبيب. بمعنى ان الطبيب في حالة الخطأ الطبي ينظر إلى الوسيلة التي اعتمدها في العلاج أما في التحاليل فإن الخطأ في النتيجة معناه خطأ في التشخيص وخطأ في العلاج وتكاليف مضاعفة..ولهذا فإن الحل الوحيد في رأينا هو ان يسمح لأصحاب الاختصاص الفردي بإتمام تكوينهم في المواد الأخرى للبيولوجيا الطبية ويصبحوا بذلك ذوي كفاءة، أوان يسمح بفتح مخابر جماعية لمجموعة من البيولوجيين ذوي اختصاصات متعددة فيصبح بذلك المخبر متعدد الاختصاصات. - بما أنكم راسلتم الجهات المعنية مثلما ذكرتم، هل وصلتكم ردود معينة ؟ * لحد الساعة لم نتلق أي رد سواء من وزارة الصحة أومجلس أخلاقيات الطب أوعميد كلية الطب أوحتى من لجنة الصحة في المجلس الشعبي الوطني، فقط تلقينا ردا من مجلس أخلاقيات الصيادلة والذي بادر بدعوتنا لإلقاء محاضرة في الموضوع خلال الملتقى الدولي الخامس للصيادلة الذي انعقد في 14 ماي الجاري بالعاصمة وما زلنا ننتظر ردا ايجابيا من وزارة الصحة على الأقل لخلق مديرية بالوزارة خاصة بمخابر تحاليل الدم تضم أهل الاختصاص وتقرر كل ما يلزم في السياق ولما لا الإشراف على التكوين في هذه الشعبة المتجددة يوميا. - يشتكي المواطن من ارتفاع أسعار التحاليل فما تعليقكم ؟ * هل تعلمين ان الأسعار المطبقة في الجزائر فيما يخص تحاليل الدم هي الأدنى في المغرب العربي، فمقارنة بتونس أوالمغرب فإن سعر تحاليل "الاف ان اس" أو تحاليل الكريات الدموية الذي يصل في الجزائر إلى 300 دينار أوما يعادل 2.5 اورو هو الضعف في هاتين الدولتين! نحن بالجزائر نطبق أسعارا منخفضة تماما ولا بد للمواطن ان يدرك ان سعر الكواشف التي تضاف على عينة الدم من أجل التحقق من نتيجة معينة باهظ جدا كذلك أسعار التجهيزات هناك آلات يفوق سعرها 500 مليون سنتيم رغم ذلك فإن الأسعار تبقى في المتناول وبرأيي إجراء تحاليل ذات جودة أحسن من صرف أموال كثيرة وبصفة متكررة من أجل العلاج. ولكن نبقى بين المطرقة والسندان فإذا رفعنا الأسعار قليلا نخسر الزبائن وإذا ترددنا عن ذلك فإننا نواجه خسائر من جهة أخرى، خاصة وأننا كمتمرسين نلجأ إلى صرف الأموال من جيوبنا من أجل التكوين لأنه غير متوفر إطلاقا بالجزائر. نقطة أخرى، يجدر بنا في هذا المقام التطرق إلىها وهي قانون المسؤولية الطبية الذي يلزم المهني بتعويض المريض في حالة حدوث خطر أوإصابته بقلق ومشاكل نفسيه واجتماعية نتيجة التحاليل الطبية التي تجرى له لكن في المقابل لا يُلزم المريض أومؤسسة الضمان بتعويض المهني في حالة تعرضه الممارس أوإصابته بعدوى من المرضى أثناء تأديته لعمله، علما ان مهنة التحاليل الطبية بشكل خاص من المهن الخطيرة وذات الطابع المؤذي لمزاوليها بشكل مباشر أوغير مباشر.. - تحدثتم عن التكوين وفي علمي انه يعتبر مرحلة لا بد منها وفي أي اختصاص طبي لأن هذا الميدان متطور ومتجدد ولا يمكن حصر المعارف في دائرة واحدة .. * صحيح، ولكن لا يوجد أي جهة ترعى التكوين في البيولوجيا السريرية حتى كليات الطب وان وجدت فهي غير محفزة تماما. هناك معهد الصحة العمومية بالابيار الذي يرفض إجراء أي دورات تكوينية في هذا التخصص بحجة القانون الذي لا يسمح، أما المستشفيات فهي مكتظة جدا وأحيانا لا نتلقى أي رد لا بالقبول ولا بالرفض، ومعهد باستور يتوفر على القاعات ولكن لا يتوفر على الوسائل والتجهيزات اللازمة للتكوين يبقى أمامنا حلا واحدا وهو الاعتماد على الاشتراك في النفقة من أجل كراء قاعة وإطعام الحضور ودفع مبلغ رمزي للأستاذ المحاضر ولكن حتى هذا الحل تلاقيه مشاكل أهمها إيجار القاعات المرتفع جدا. أما أي طبيب يريد تلقي تكوين جيد في الخارج عليه دفع مبالغ كبيرة توازي ألف اورو في الأسبوع الواحد ولو تم استغلال هذه المبالغ في الجزائر لكان أفضل بكثير.. - هل صادفتكم أثناء عملكم مشاكل مع المواطنين خاصة ؟ * "يا حسراه"، الكثير الكثير خاصة في شهر رمضان، "وخدة". فالمواطن يعتقد ان التقدم لمخبر تحاليل الدم وفمه "ناشف" بفعل الصيام يمكنه من إجراء التحاليل التي تتطلب ان يكون الفرد صائما وبما انه في رمضان فيعتقد ان مجرد التأكد مع نفسه انه ممسك عن الطعام يخوله إجراء التحاليل ويتناسى تماما الوجبة المشبعة التي تناولها في السحور ما يجعلنا في كل مرة في أيام الصيام ان نعيد نفس الأسئلة..هل أنت صائم..الم تأكل الدسم حتى لا نضطر لإعادة التحاليل ثم ننعت بالسارقين إذا طلبنا حقنا. هناك أيضا بعض المواطنين الذين يتقدمون لإجراء تحاليل وهم يحملون وصفة طبية على اسم الجار أوأحد المعارف للاستفادة من التعويض ثم يتناسون الإفصاح عن الأمر أوتصحيح الاسم فيما بعد ما قد يخلق مشكل عويصة في زمرة الدم مثلا جراء حادث ما، وإذا وجدت نتيجة التحليل في جيبه قد يحقن بزمرة دم المدون اسمه في الوصفة وليس زمرة دمه الحقيقة وهذا مشكل صحي كبير قد يؤدي إلى الوفاة في حينها.. - هل من كلمة تعرفون بها جمعيتكم؟ * الجمعية الجزائرية لمخابر تحاليل الدم أنشئت سنة 1998 واعتمدت سنة واحدة بعدها. هدفها رفع سمعة البيولوجيين و تبادل الخبرات مع كل أقطار العالم حول تقنيات المهنة المتجددة بما فيها الكواشف المخبرية. والجمعية عضو مؤسس في الفدرالية الدولية الفرنكفونية للبيولوجيا السريرية وطب المخابر وعضو مؤسس في الفدرالية العربية لذات الاختصاص وعضو مؤسس في فدرالية الدول الأورومتوسطية لذات الاختصاص وعلى وشك الانخراط في الاتحاد العالمي للبيولوجيا السريرية.