جدد الملك المغربي محمد السادس أمس ثقته في وزيره الأول عباس الفاسي الذي وجد نفسه بشكل مفاجئ في قلب دوامة سياسية كادت تعصف بحكومته وبكل الأغلبية النيابية الحالية.وكان لقرار حزب الأصالة والمعاصرة الذي يقوده وزير الداخلية المنتدب السابق فؤاد علي الهمة بسحب ثقة حزبه من حكومة عباس الفاسي وقع الصدمة سواء في أعلى هرم السلطة في المغرب وفي أوساط الأحزاب السياسية والرأي العام المغربي مما استدعى الاستنجاد بالملك محمد السادس لإنقاذ الموقف وإنقاذ البلد من أزمة سياسية وشيكة عشية انتخابات محلية مصيرية. ووجدت حكومة الوزير الأول المغربي عباس الفاسي نفسها ودون مؤشرات مسبقة في أزمة سياسية حادة بعد إقدام حزب الأصالة والمعاصرة على سحب ثقته من الحكومة ودخوله صف المعارضة. وقال فؤاد علي الهمة الذي يقود الحزب المذكور أنه لن يساند الأغلبية الحكومية من الآن فصاعدا. ووضع هذا الموقف حكومة عباس الفاسي في وضع سياسي حرج في ظل محدودية الخيارات المتاحة أمامه وهي إما اللجوء إلى مشاورات مع الأحزاب السياسية الأخرى حتى يضمن الأغلبية النيابية في غرفة النواب وعدم فقدانها أو حل الحكومة والدعوة إلى تعيين حكومة جديدة. وقال محمد شيخ بيد الله الناطق باسم حزب الأصالة والمعاصرة خلال ندوة صحفية عقدها بالعاصمة الرباط أن المكتب السياسي لحزبه الذي يشكل القوة السياسية الثانية في البلاد بمجموع 46 مقعدا نيابيا في غرفة النواب من مجموع 325 قد سحب ثقته من الأغلبية الحكومية وأنه يدخل من الآن فصاعدا إلى جانب أحزاب المعارضة الأخرى. ولم يعط الناطق باسم الحزب أية تبريرات مقنعة لهذا القرار المفاجئ سوى القول أن العديد من مرشحي الحزب للانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في الثاني عشر من الشهر القادم واجهوا صعوبات كبيرة في الحصول على تصديق الولاة على ملفات ترشحهم. يذكر أن حزب الأصالة والمعاصرة أسس سنة 2008 من طرف الوزير المنتدب للداخلية آنذاك فؤاد علي الهمة الذي يعد من أصدقاء الملك محمد السادس وأحد المقربين منه ومكنه من الوصول إلى وزارة الداخلية بعد إبعاد إدريس البصري وزير الداخلية القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. يذكر أن حكومة عباس الفاسي مشكلة من ائتلاف عدة أحزاب يشكلون الأغلبية في البرلمان المغربي بخمسين نائبا لحزب الاستقلال الذي يقوده الوزير الأول نفسه والتجمع الوطني للمستقلين باثنين وأربعين نائبا والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بسبعة وثلاثين نائبا وحزب التقدم والاشتراكية بسبعة وعشرين نائبا بالإضافة إلى حزب الأصالة والمعاصرة بستة وأربعين نائبا. وأكد متتبعون للشأن السياسي المغربي أن الوزير الأول المغربي وفق التطورات الجديدة سيكون مضطرا إلى توجيه بوصلة البحث على التوازنات داخل حكومته باتجاه أحزاب المعارضة الأخرى من أجل إنقاذ أغلبيته النيابية وعلى رأسها حزب الحركة الشعبية الأمازيغي والاتحاد الدستوري وحركة العدل والمساواة الإسلامي. ولكن متتبعين آخرين أكدوا أن الوزير الأول الذي أعيد انتخابه على رأس حزب الاستقلال شهر جانفي الماضي سوف لن يجد نفسه في حرج كبير بسبب هذا الانسحاب على اعتبار أن الأحزاب الواقفة معه تحوز على مقاعد نيابية تجعلها في راحة من أمرها أمام المعارضين لها. وأكد هؤلاء أن الوزير الأول بإمكانه أن يواصل قيادته للحكومة حتى وإن كان في الأقلية كما أن بإمكانه أن يطالب الملك محمد السادس بإجراء تعديل حكومي على حكومته وهو الخيار الذي تأكد بعد قرار الملك محمد السادس تجديد ثقته فيه. يذكر أن حزب الأصالة والمعاصرة ورغم كونه القوة السياسية الثانية في البلاد بعد حزب الاستقلال إلا أنه لم يحصل سوى على حقيبة وزير التربية ويبدو أن الملك المغربي أسرع إلى خيار تجديد الثقة بسبب وقع المفاجأة الذي تركه قرار صديقه فؤاد علي الهمة عشرة أيام فقط قبل موعد الانتخابات البلدية. ويكون الوزير الأول المغربي قد وجد نفسه هو الأخر بسبب هذا الموعد الانتخابي مضطرا على اللجوء إلى الملك بإعادة تشكيل أغلبية نيابية من خلال اللجوء إلى تعديل حكومي بضم حليف آخر لتسوية إشكالية انسحاب حزب الأصالة والمعاصرة. وتصدر "الحدث" واجهة الصحف المغربية التي أجمعت على وصفه بالمفاجأة ووصفته أخرى بمثابة "زلزال" يهز عرش الملك محمد السادس في اعنف أزمة سياسية يواجهها منذ توليه مقاليد العرش في جويلية سنة 1999. وكتبت صحيفة "أخبار اليوم" تحت عنوان "الهمة يقلب الطاولة على الحكومة" إن الوزير الأول عباس الفاسي لم يبق أمامه سوى خيارين وهو إما إقناع أحد أحزاب المعارضة بالانضمام إلى حكومته أو تقديم استقالته ودعوة الملك محمد السادس إلى تشكيل حكومة جديدة". ولكن صحفا أخرى أكدت أن الخرجة المفاجئة لحزب علي الهمة أقرب المقربين من الملك محمد السادس إنما جاءت على خلفية الانتخابات البلدية الأسبوع القادم بهدف إعطاء عذرية مفقودة لحزبه والظهور بمظهر الخليفة الأوفر حظا لعباس الفاسي بعد قرابة عامين من قبوله المشاركة في الانتخابات النيابية وقبوله الانضمام إلى حكومته. يذكر أن حزب الأصالة والمعاصرة ولد في أوساط الساحة المغربية "كبيرا" وقد مكنه ذلك في نفس السنة التي تأسس فيها من الفوز بالمرتبة الثانية في الانتخابات العامة متقدما على أحزاب عريقة إلى درجة جعلت محللين مغربيين وأجانب يؤكدون أن الملك والهمة تفاهما على تأسيس هذا الحزب للإفلات من هيمنة الأحزاب التقليدية المغربية وخاصة حزبي الاستقلال والاشتراكي لإعطاء صورة مغايرة لتلك التي طبعت فترة حكم والده الراحل.