تشهد مهنة تعليم السياقة فوضى كبيرة بسبب غياب التنسيق بين مختلف الشركاء، ونقص الظروف الملائمة للتعليم المعمول بها في باقي البلدان وغياب الرقابة الصارمة، مما انعكس سلبا على هذا القطاع الذي يتبادل الشركاء فيه التهم وينفي كل واحد مسؤوليته خاصة بعد أن ارتفعت حوادث المرور وضحاياها في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للانتباه، مما أدى إلى التفكير في تقنين جديد يفرض شروطا جديدة على ممارسي هذه المهنة الذين يطالبون بإشراكهم في صياغة النصوص القانونية من خلال استحداث لجنة وطنية تقنية تضم مختلف الفاعلين في القطاع، فهل ينجح البرنامج الجديد في تحسين هذه المهنة وترقيتها؟. ويرى أصحاب مدارس تعليم السياقة ومسؤولوها أن التعديلات التي مست القانون الأساسي لممارسة هذه المهنة لا يمكنها إيصال القطاع إلى المستوى المطلوب دون أن يرافق ذلك تحسينات على أكثر من صعيد خاصة مشكل المسالك التي وعدت الوصاية بتهيئتها والتي توجد في وضعية جد سيئة يصعب العمل بها سواء على المستوى الوطني ومثال ذلك العاصمة التي تتم فيها التمرينات والامتحانات في الأحياء الشعبية المكتظة وأمام المدارس وفي الطرق العمومية في ظروف سيئة للغاية على غرار مسلك السمار بجسر قسنطينة، كوريفة بالحراش ومسلكي براقي وعين النعجة، وهي الوضعية التي تحول دون ضبط المهنة التي تحدث بها خروقات عديدة يدفع ثمنها المرشحون لنيل رخصة السياقة التي ارتفع سعرها مؤخرا إلى30 ألف دينار طبقا للبرنامج الجديد. وبهذا الخصوص يرى ممرن بمدرسة تعليم السياقة بحسين داي أن سعر الحصول على رخصة السياقة يجب ألا يحدد بنفس القيمة لكل المرشحين بل يجب أن يختلف من مرشح إلى آخر حسب سرعة التعلم لأن هناك من يستغرق فترة قصيرة في التعلم في حين يقضي آخرون قرابة سنة كاملة للحصول على الرخصة وهو المعيار الذي يجب اعتماده في تحديد مبلغ الحصول على الرخصة وفرض مبالغ متفاوتة بين المرشحين لإنصافهم وإبعادهم عن انتهازية بعض مسؤولي المدارس الذين يفرضون أسعارا متفاوتة تكون منخفضة بالنسبة لمعارفهم ومرتفعة بالنسبة للآخرين. تعليم السياقة يتحول إلى تجارة ودروس الدعم ب 1200 دينار للساعة! يشتكي مرشحون تحدثنا إليهم من تلاعب بعض مسؤولي مدارس التعليم الذين حولوا هذه المهنة إلى تجارة مربحة رغم خطورة ذلك على حياة المواطنين في ظل قلة الرقابة وغياب الضمير المهني لدى هؤلاء الذين لا يجدون حرجا في عدم تقديم العدد القانوني من الدروس، مما يضطر المرشح إلى دفع مبالغ إضافية للاستفادة من دروس الدعم التي يتفاوت سعرها بين 600 دينار للساعة لدى البعض و1200 دينار للساعة لدى البعض الآخر، وفي هذا الصدد لخص شاب تحصل مؤخرا على رخصة السياقة من مدرسة بشارع طنجة وسط العاصمة النقائص والعيوب التي لاحظها على المدرسة في التهاون في تلقين الدروس النظرية للمرشح وتقليص الوقت المخصص لتعليمه السياقة كما أعاب على بعض المدارس تلقينها الدروس بشكل فردي بدلا من التلقين الجماعي للمرشحين الذي يساعد أكثر على تعلمهم وحفظهم لقانون المرور ومختلف الإشارات واللوحات التي يحتويها، بالإضافة إلى نقص المراجع الخاصة بهذا القانون وغياب كتاب موحد وقدم السيارات المستعملة التي لا تساعد على التعلم، وأكدت مرشحة بإحدى المدارس وسط العاصمة أنها غير راضية بعد أن أمضت سبعة أشهر كاملة ولم تنتقل بعد إلى مرحلة السياقة بسبب عدم التزام صاحب المدرسة بالوقت وتقليصه لفائدة مرشحين أوالذين يستفيدون من الدروس التدعيمية حيث قررت تحويل ملفها إلى مدرسة أخرى لعلها تخرج من الدوامة التي وقعت فيها، والأكيد أنها ليست الوحيدة التي اشتكت من تهاون بعض مسؤولي المدارس والممرنين العاملين لديهم، على غرار إحدى المدارس بحسين داي التي أعطت صورة سيئة عن هذه المهنة بسبب عدم جدية مسؤولها الذي يكتفي بتقديم كتب تعليم السياقة للمرشحين الجدد -حسب شهاداتهم- وبعض الدروس النظرية التي يتولى القيام بها الممرن. مسالك متهرئة للامتحان وسط أحياء شعبية مكتظة وفي هذا السياق لم ينف أصحاب مدارسة تعليم السياقة وجود تجاوزات وعدم جدية زملاء لهم في المهنة غير أن ذلك لا يمكن تعميمه على الجميع بتوجيه أصابع الاتهام إلى مختلف المدارس البالغ عددها أربعة آلاف مدرسة على المستوى الوطني منها عدد معتبر بالعاصمة. "المساء" انتقلت إلى مسلك عين النعجة الواقع بحي 2248 مسكنا حيث تجري التدريبات والامتحانات بالنسبة لمرشحين توافدوا على هذا المكان من مختلف جهات العاصمة منذ الساعات الأولى للنهار رغم أن انطلاق الامتحانات يتأخر عادة إلى ما بعد التاسعة صباحا، ومن بين هؤلاء مرشحة بمدرسة تعليم السياقة ببراقي بدت راضية على الأرضية التي قالت أنها مهيأة مقارنة بأرضية مسلك السمار بجسر قسنطينة الذي يوجد في وضعية جد سيئة فضلا عن غياب النظافة والأمن، كما بدت مرتاحة لصاحب المدرسة الذي قالت انه منضبط في عمله ويعلمها بطريقة جيدة رغم أنها تأخرت عن إتمام الدروس بسبب ارتباطها بالعمل وغيابها المتكرر عن الدروس المبرمجة، وهو نفس الانطباع الذي وجدناه عند مرشحة أخرى بمدرسة تعليم السياقة ببئر مراد رايس التي قالت أن صديقتها دلتها عليها بعد أن اجتازت هي مرحلة التعليم وحصلت على الرخصة. من جهتهم، اعتبر أصحاب مدارس التعليم أنفسهم ضحايا سوء تسيير الإدارة وأرجعوا وضعية القطاع إلى غياب التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية، حيث قال صاحب مدرسة لتعليم السياقة بعين النعجة أن العمل يتم في ظروف صعبة وأن هناك تجاوزات تحدث بسبب الفوضى وغياب الإدارة التي تتسامح مع المرشحين المتهاونين الذين يغيب بعضهم سنة كاملة ثم يضهر فجأة ويطالب بإجراء الامتحان حتى لا يضطر إلى إعادة الملف من جديد، بالإضافة إلى المسلك الذي لا يصلح لا للتدريب ولا لإجراء الامتحانات بسبب وقوعه في حي شعبي مكتظ حيث يلعب الأطفال وتكثر حركة الراجلين والسيارات، وتنتشر الاعتداءات في هذا المسلك الذي يفترض أن يكون مغلقا ومهيأ لإجراء الامتحانات خاصة بالنسبة للامتحان الشفهي الذي يتم داخل السيارة وأحيانا في الشارع تحت أشعة الشمس صيفا والمطر والبرد شتاء. أما صاحبة مدرسة تعليم السياقة بباش جراح التي كانت الوحيدة بين زملائها الرجال فأكدت أن التعليم والتكوين في المستوى المطلوب وان ما أعطى القطاع صورة سيئة هو الفوضى في إجراء الامتحانات وغياب المسالك المغلقة المهيأة، هذا الرأي شاطرها فيه شقيقها الذي قال أن عائلتهم تمارس هذه المهنة منذ 34 سنة من خلال أربع مدارس للتعليم، حيث قال أن الوضعية "كارثية" لأن الإدارة لا تعمل عملها والمسيرون ليس لديهم علاقة بالميدان، معتبرا إجراء التمرينات والامتحانات في مسلك "في حومة بعين النعجة" أمر غير معقول في وقت كان لابد فيه من توفير مسالك مغلقة ومهيأة بكل المرافق الضرورية من أمن، نظافة ومراحيض وذلك لإنجاح البرنامج الجديد الذي أقرته الوزارة مؤخرا لضبط المهنة "لأن هذا الأخير يجب أن ترافقه الإمكانيات اللازمة لتطبيقه ميدانيا". وبخصوص رفع عدد الدروس في البرنامج الجديد إلى30 درس قال الأخير أن التقييم لا يتم على هذا الأساس وإنما صاحب المدرسة هو من يقيم المرشحين الذين يحتاج بعضهم إلى60 درسا بينما هناك من يحتاج إلى أقل من ذلك بكثير. ولم يسلم الممتحنون أوالمهندسون من الانتقادات حيث حملهم صاحب المدرسة جانبا من الفوضى واتهمهم بالمساومة والقيام بتصرفات غير معقولة كالتحرش بالمرشحات أثناء إجراء الامتحانات الشفهية داخل السيارة وذلك في غياب رادع لهم "لأننا لا نجد من يسمعنا عندما نشتكي للإدارة". من جهته، قال صاحب مدرسة لتعليم السياقة بالمدنية انه "لا يمكن تطبيق قوانين لا تناقش مع المهنيين الذين هم ضحايا يمارسون عملهم في وضعية صعبة بسبب غياب مسالك خاصة ومهيأة وآمنة"، حيث يخيل للمواطن الذي يقصد المسالك طيلة أيام الامتحانات بأنه يتوجه نحو سوق شعبي تكثر فيه الفوضى.. المطالبة بلجنة تقنية وتحويل المهندس من ولايته بعد سنتين وتوجه للمهندسين المكلفين بالإشراف على الامتحانات انتقادات على أنهم لا يحترمون اليمين الذي يؤدونه، ويتهمون بمنح رخص لأشخاص غير مؤهلين للسياقة، حيث يطالب البعض بضرورة تعيين المهندسين صبيحة يوم الامتحان حتى لا تحدث تلاعبات. "المساء" اقتربت من بعض هؤلاء لمعرفة رأيهم في البرنامج الجديد لمدارس تعليم السياقة والاتهامات التي توجه إليهم إلا أنهم رفضوا التصريح واشترطوا منا رخصة من الوصاية تسمح لهم بالحديث إلينا. ولوضع حد للتجاوزات تطالب الاتحادية الوطنية لمدارس تعليم السياقة بتحويل الممتحن أوالمهندس المكلف بالإشراف على الامتحان من ولاية إلى أخرى بعد سنتين من العمل، خاصة أن هناك من يقضي20 سنة عمل في نفس الولاية وصنفت ذلك ضمن عشرين مطلبا من المطالب التي تقدمت بها للوصاية في اجتماع أخير تم بمقر الوزارة نهاية ماي الفارط، وحسب رئيس الاتحادية، السيد أودية احمد زين الدين، فإنه سيتم إضافة 93 ممتحنا جديدا إلى400 ممتحن الممارسون لهذه المهنة على المستوى الوطني، كما سيكون مركز الامتحان الرئيسي المنتظر انجازه بالعاصمة جاهزا نهاية هذه السنة، لتنتقل عملية إجراء الامتحانات من الطريقة الحالية إلى طريقة سؤال جواب وهو ما سيكشف المتورطين الذين يمنحون رخصا للسياقة بطرق غير قانونية. كما طالبت الاتحادية في آخر اجتماع لها مع الوزارة باستحداث اللجنة التقنية الوطنية على مستوى وزارة النقل والتي ستضم ممثلين عن مدارس تعليم السياقة، ممثلين عن الممتحنين وكذا ممثلين عن مصالح الأمن، الدرك، الحماية المدنية والأشغال العمومية، بحيث ستوكل لها مهمة الإشراف على إثراء وتعديل القوانين التي تخص قطاع النقل من أجل تحمل كل الشركاء مسؤولياتهم، إلى جانب دراسة كل المشاكل والاقتراحات والخروج بالقرارات التي ترضي جميع الأطراف. وترى اتحادية مدارس السياقة على لسان رئيسها الذي التقته"المساء" بالمقر الوطني بالعاصمة أن تجسيد الإجراءات الجديدة ميدانيا يتطلب مرونة من الوصاية والتعامل مع المهنيين لمناقشة الإجراءات الجديدة على غرار الإجراء المتعلق بالمترشح الحر الذي تطالب الاتحادية بإلغائه، لأنه يتنافى مع فرض استفادة المترشح من 55 ساعة، الإسراع في تهيئة المضامير التي وعدت بها الوزارة منها 39 مضمارًا مبرمجًا هذه السنة لتضاف إلى32 مضمارًا بمجموع 71 مضمارًا على المستوى الوطني، مراجعة مسألة إعادة الامتحان في حالة الفشل وبرمجة ذلك بعد أسبوع فقط وليس شهرا كاملا حتى لا ينتظر المترشح كل هذه الفترة لإعادة الامتحان. وتعد هذه النقطة من بين البنود التي لم ترق إلى تطلعات مسيري وأصحاب مدارس تعليم السياقة والتي قوبلت بالرفض خاصة ما تعلق باشتراط السيارات صغيرة الحجم و كذا سيارات التدريب التي لا يزيد عمرها عن عشر سنوات حيث تتفاوض الاتحادية مع "سوزوكي" لاقتناء سيارات بالتقسيط لاستبدال السيارات القديمة وحل الإشكال المطروح. وينتظر مسيرو مدارس تعليم السياقة الذين يرفضون اتهامهم بعدم الجدية والتهاون، التزام الوصاية بوعودها خاصة ما تعلق بتحسين ظروف أداء المهنة التي ستشهد تغييرات عديدة، منها خلق امتحان ثالث متعلق بتقنيات التوقف والذي كان في وقت سابق مدرجا ضمن الامتحان التطبيقي الذي يخص امتحان السياقة، حيث تقرر فصل امتحان التوقف عن السياقة ليصبح المترشح ملزما باجتياز ثلاثة امتحانات لحصوله على رخصة السياقة. وشملت التعديلات الجديدة في البرنامج الجديد للتكوين شروطًا جديدة تتعلق بمحل ممارسة تعليم السياقة ووسائل التدريب والمدرب الذي تم رفع سنه إلى 27 سنة بدلا من 21 سنةر، بالإضافة إلى رفع الحجم الساعي إلى أكثر من 55 ساعة بدلا من 25 ساعة، وكذا ضرورة تجديد مركبات تعليم السياقة وإعادة النظر في مقرات المدارس، وهي شروط يعتبرها المعنيون بها صعبة التجسيد، إذا لم تسارع الوصاية في تحقيق المطالب المرفوعة ومناقشتها مع المهنيين للخروج بحلول ترضي الطرفين وتساعد على ترقية المهنة.