تقدم السلسلة الكوميدية "البطحة"، للمخرج وليد بوشباح، التي تعرضها قناة "الشروق"، خلال الموسم الرمضاني الجاري، قصصا بسيطة، محكية بشكل سلسل وجميل، حقق بذلك فرجة ماتعة للمشاهد الجزائري، وهو يعالج في كل مرة مواضيع اجتماعية دون تكلف أو تقديم دروس، ضمن محتوى درامي متناسق. تجتمع مفارقات الحياة اليومية في قصص "البطحة"، وأصل الحكاية تعود إلى صراع الأحياء، من خلال ناسها وأهلها على أمور تافهة، بين "اللاز" (نبيل عسلي)، و"بونار" (نسيم حدوش) ولفراطس (رضوان مرابط)، إذ لا تنتهي بينهم المشاحنات التي تندلع لأدنى سبب، وقد صور في بيئة فقيرة، متواضعة، حتى يتطرق العمل إلى مواضيع مختلفة، قد تبدو سطحية، لكنها تحمل في العمق رسائل قوية. لم يعتمد الثلاثي نبيل عسلي ونسيم حدوش ومحمد الصغير بن داود في كتابة السيناريو على السخرية في السلسلة، وقاموا بإضافات درامية مدهشة، هادفة، لكن بذكاء فني لم نشاهده في الأعمال الكوميدية السابقة، ذلك أنهم استعانوا بمشاهد مسرحية تملك القوة لإثارة مشاعر المتفرج، والاستعانة كانت كذلك بفضل ممثلين من بيت المسرح. ولعل من أهم المشاهد التي تجسد هذه الفكرة، هو مشهد اللاز مع أخيه هشام، وهو يخبره عن الفوارق الاجتماعية، بين الأغنياء والفقراء، واللطيف في الأمر أن المشهد سرعان ما ينتهي بسخرية، مثلما كان الحال في مشهد آخر في حلقة الترحيل بين "اللاز" و"برنو"، وهي الأفكار التي استحسنها المشاهد، ونشرتها العديد من الصفحات الالكترونية بتعليقات إيجابية. الصراعات الكاريكاتورية التي بناها النص، بفضل الشخصيات المرسومة بدقة، لا يظهر فيها العنف بصورة صريحة، هي صراعات كلامية توحي بسذاجتها، ذلك أن الأطراف المتنازعة سرعان ما تتفق، أو يحدث أمر آخر يلغي أساس الاختلاف من أصله، وقد وفق كتاب السيناريو إلى حد بعيد في ذلك، وعززه المخرج وليد بوشباح ضمن رؤية كلاسيكية فعالة لا تحتاج إلى تفلسف زائد. ظهرت شخصية ربيعة (ياسمين عبد المومن)، التي جسدت دور خطيبة "اللاز"، كاكتشاف حقيقي للكوميديا الجزائرية، بصورة أوسع، بعدما عرفها الجمهور الجزائري في سلسلة "طيموشة"، إذ منحها المخرج مساحة أكبر، وكذلك النص، لتبرز موهبتها العالية في التمثيل، كسبت بذلك حبا أكبر من الجمهور، والأمر نفسه بالنسبة للممثل محمد الصغير بن داود الذي جسد دور "ريكو" المغني الفاشل، الذي يعيش في وهم نجوميته، ويحاول أن يقنع أهل حيه أنه موهوب، والذي ظهر بشكل مختلف، لا يشبه أدواره السابقة. للأسف، لم يسع النص ربما ليكون للممثلة المسرحية نسرين بلحاج (أدت دور سجية) مساحة أكبر في الأداء، رغم ذلك، فالمشاهد التي ظهرت فيها كانت كافية لتحقق الإعجاب والقبول. ونجح العمل كذلك بفضل لازمة "الباسي باسي حنا ذهب ماشي كاسي" التي يقولها "اللاز" كثيرا، ويحورها على حسب المواقف التي يجد فيها نفسه، والتي لاقت تجاوبا لافتا من لدن الجمهور، والتي أصبح الكبار والصغار يرددونها في الآونة الأخيرة.