تستمر المواجهات الدامية والمعارك الضارية للأسبوع الثالث على التوالي بين الفريقين العسكريين المتنازعين على السلطة في السودان وسط خروقات متواصلة لخامس هدنة معلن عنها منذ تفجر الوضع في 15 افريل الجاري. وبين دوي الانفجارات وأزيز الطائرات وطلقات المدفعية التي تحاصر الشوارع والأحياء خاصة في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور في غرب السودان، يبقى المشهد غامضا في بلد حذر الأمين العام الاممي، انطونيو غوتيرس، من أنه على حافة "الانهيار". فبعد أسبوعين من تفجر الوضع لم يعرف إلى حد الساعة، الطرف المسيطر على الوضع في ظل مواصلة كل جانب ادعاءاته بالتحكم في الوضع ضمن حرب إعلامية تصاعدت حدتها عبر مختلف القنوات ووسائل الاعلام الدولية. ووصف قائد الجيش النظامي، الجنرال عبد الفتاح البرهان، قوات الدعم السريع التي يقودها خصمه، الجنرال محمد حمدان داغلو، بأنها "مليشيات تسعى لتدمير السودان"، مشيرا إلى أن "المرتزقة" يصلون السودان قادمين من تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر. وراح الجنرال داغلو من جانبه يصف، خصمه البرهان ب«الخائن" غير جدير بالثقة في مؤشر واضح على حدة الخلافات وعمق الهوة بين الرجلين واستحالة إيجاد أرضية توافقية بينهما تكون مؤشرا على إمكانية جلوسهما إلى طاولة مفاوضات مباشرة. وبالتوازي مع ذلك راح الجانبان يكيلان التهم بخرق الهدنة الجديدة التي كان من المفروض أن تستمر إلى غاية منتصف ليلة الأحد إلى الاثنين في إطار المساعي الدولية بخلق ممرات آمنة وتمكين المدنيين من الفرار وتقديم المساعدات ومواصلة عمليات الإجلاء قبل انهيارها. وهو ما جعل ستيفان دوجاريك الناطق باسم الأممالمتحدة يعبر عن "إحباط" الهيئة الأممية جراء خرق الهدنة وتواصل المعارك بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وقال المسؤول الأممي إنه "أمر محبط للأمم المتحدة وهو أمر مدمر ومأساوي لشعب السودان ولمن يحاولون الفرار من البلاد أو الخروج لتلقي المساعدات الإنسانية أو تأمين الطعام". وأضاف أنه من الضروري أن يقدّم الطرفان المتنازعان مصالح الشعب السوداني على مصالحهما الشخصية. وكان الجيش السوداني وقوات الدعم السريع توصلا ليلة 24 أفريل إلى اتفاق للالتزام بهدنة إنسانية بوساطة أمريكية وتجديدها ليلة الخميس الماضي، غير أنها سرعان ما انهارت مثل سابقاتها في ظل تجدد الاشتباكات بين قوات المتحاربين. وتسبب النزاع المندلع منذ منتصف الشهر الجاري في مقتل ما لا يقل عن 512 شخص وإصابة أكثر من 4 آلاف في حصيلة يؤكد متتبعون انها تبقى فقط تقييمية في ظل صعوبة تسجيل كل ضحايا هذا الصراع الذي يدفع ثمنه الأبرياء من أبناء الشعب السوداني العزل، والذي تسبب أيضا في فرار ما لا يقل عن 75 ألف شخص بحثا عن أماكن أكثر أمانا. وكشفت الأممالمتحدة أمس عن فرار ما لا يقل عن 50 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة من العاصمة الخرطوم ومناطق الاشتباكات مما جعل أكسيل بيشوب، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في هذا البلد، يحذر من المخاطر التي تواجه النازحين والفارين من تفاقم حدة القتال من بينهم اللاجئون الموجودون في المدن السودانية. وقال "وردتنا تقارير تفيد باضطرار حوالي 33 ألف لاجئ للفرار من الخرطوم بحثا عن الأمان في مخيمات اللاجئين بولاية النيل الأبيض، علاوة على فرار ألفي لاجئ إلى مخيمات القضارف و5 آلاف آخرين إلى مدينة كسلا منذ بدء الأزمة قبل أسبوعين"، مضيفا أن من بين 20 ألف شخص توجهوا صوب الحدود التشادية هناك 7500 لاجئ كانوا مقيمين في السودان.