على وقع الرصاص والمعارك الطاحنة التي تعصف بالسودان منذ خمسة أيام، تفجرت موجة نزوح آلاف المدنيين الذين بدأوا يفرون فرادى وجماعات من العاصمة الخرطوم بحثا عن أماكن أكثر أمنا تاركين منازلهم وممتلكاتهم على أمل إنقاذ حياتهم التي سقطت رهينة صراع الجنرالات على السلطة. استيقظ سكان العاصمة الخرطوم، أمس، على وقع إطلاق نار كثيف حاصر مساكنهم ومختلف الشوارع والأحياء خاصة تلك القريبة من مقر قيادة القوات المتصارعة من الجيش والدعم السريع شبه العسكرية. وهو ما جعل الآلاف منهم يسارعون للفرار وهم يسلكون طرقا مليئة بالجثث والمدرعات المتفحمة، محاولين تجنب نيران قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان داغلو المعروف باسم "حميدتي"، وعناصر الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان الذي يحكم السودان منذ انقلاب جويلية 2021. وتواصلت المعارك لليوم الخامس، رغم الهدنة المتوصل اليها مساء أول أمس بين الطرفين المتصارعين تحت ضغط أمريكي، التي استمرت 24 ساعة وتبادل على إثرها الطرفان الاتهامات بشأن خرقها. وترددت أصداء إطلاق النار من الخرطوم صباح، أمس، مع سماع دوي أعيرة نارية بعد دقائق من الموعد المتفق عليه على الهدنة بداية من السادسة من مساء أول أمس بتوقيت غرينتش. وتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاتهامات بعدم احترام كل طرف لوقف إطلاق النار، حيث قالت قيادة الجيش بأنها ستواصل عملياتها لتأمين العاصمة ومناطق أخرى من البلاد. وبينما ذكر التلفزيون السوداني، أن الاشتباكات الجارية حاليا تستهدف السيطرة على أهداف حيوية واستراتيجية في الخرطوم، قالت مصادر اعلامية أخرى أن مطار العاصمة اهتز على وقع انفجار خزان لوقود الطائرات في المطار أصابته قذيفة مدفعية. وذكرت مصادر ميدانية أن قصفا عنيفا شهدته فجر أمس منطقة كافوري بالخرطوم البحري، حيث يوجد معسكر كبير لقوات الدعم السريع. كما وقع قصف عنيف جنوبأم درمان بضواحي العاصمة حيث يوجد معسكر خاص بعناصر الدعم السريع. ووقع قصف مدفعي وجوي شنه الجيش السوداني وسط اشتباكات مع الدعم السريع بمحيط مقر القيادة العامة الجيش فيما حلق الطيران الحربي بكثافة في سماء الخرطوم. وتسبب القتال في اندلاع ما وصفته الأممالمتحدة بأنه كارثة إنسانية من عواقبها الانهيار الوشيك للنظام الصحي في ظل استمرار استهداف المستشفيات وانعدام الوسائل الطبية لإسعاف الجرحى. وأكدت نقابة أطباء السودان أن 39 مستشفى توقفت عن العمل من أصل 59 في العاصمة الخرطوم والولايات المتاخمة لها نتيجة تعرض بعضها للقصف وأخرى تم إجلاء المرضى منها مخافة تعرضها لعمليات قصف من هذا الطرف أو ذاك. وتجاوزت حصيلة قتلى المواجهات 200 قتيل وما لا يقل عن 1800 جريح في حصيلة تبقى مرشحة للارتفاع مع استمرار الصراع المسلح في قلب العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى من البلاد. ويتواصل قتال الفرقاء العسكريين السودانيين رغم دعوات المجتمع الدولي إلى الحوار والوقف الفوري للقتال والتي لم تجد بعد آذانا صاغية لدى الجنرالين المتحاربين اللذين يبدو أنهما ماضيين في حل خلافاتهما بلغة الرصاص بعيدا عن أي مسعى سلمي.