انزلق الوضع بشكل مفاجئ أمس، في العاصمة السودانية الخرطوم، بعد أن دخلت قوات الجيش النظامي في مواجهات مفتوحة مع قوات الدعم السريع تنذر بحرب مدن قد ترمي في حال عدم احتوائها بالسودان في متاهة حرب أهلية وخيمة العواقب. ونشبت مواجهات مسلحة بين قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان داغلو، وقوات الجيش بقيادة قائد المجلس العسكري الحاكم في السودان، الجنرال عبد الفتاح البرهان، تخللتها اشتباكات عنيفة وعمليات قصف مدفعي وجوي استهدفت مقار تابعة لهذا الطرف وذاك استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وكان أولى ضحايا هذه المواجهات مدنيين عزّل دفعوا حياتهم ثمنا لصراع خفي بين جنرالات الجيش السوداني ما لبث أن خرج للعلن، حيث قتل ثلاثة، اثنان بمطار الخرطوم الدولي وثالث لقي نحبه في الاشتباكات اندلعت بالعبيد عاصمة ولاية كوردوفان شمال، في حين قتل ضابط بمدينة أم درمان بضواحي الخرطوم.وسارع الفريقان المتصارعان إلى استعراض عضلاتهما ضمن حرب دعائية ساخنة، راحت على إثرها قوات الدعم السريع تؤكد سيطرتها على المطار الدولي للخرطوم والقصر الرئاسي، كما اندلعت اشتباكات مسلحة بمحيط مباني المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة. ودعا قائدها الجنرال داغلو والمعروف باسم "حميدي" السكان والجنود على السواء للانقلاب على الجيش. وفي مقابل ذلك أكد الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، أن طائراته الحربية شنت "عمليات" ضد "العدو"، ونشر على صفحته على موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي صورا أظهرت واحدة منها انبعاث دخان كثيف من إحدى المناطق بجنوب الخرطوم. وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن المتسبب في تفجر الوضع بهذا الشكل الخطير، حيث أعلنت قوات "الدعم السريع" في بيان لها أنها تفاجأت ب "هجوم كاسح" على مقرها في العاصمة الخرطوم، متهمة الجيش السوداني بشنه بواسطة الأسلحة الثقيلة والخفيفة ووصفت تصرفاته بأنها "اعتداء غاشم". بدوره أعلن الجيش السوداني تدخل قواته الجوية لتنفيذ "عمليات نوعية لحسم التصرفات غير المسؤولة لميليشيات الدعم السريع المتمردة". وقال في بيان إن " الشعب السوداني سيسمع أخبارا سارة في الساعات القادمة"، مؤكدا أن قواته "بسطت سيطرتها على أرض العاصمة منذ بداية المواجهات، وهي كانت قادرة على الحسم السريع ولكنها تعمل وفقا لإجراءات متسلسلة ستحسم الصراع بأقل الخسائر".وأكدت هذه التطورات الدامية التي عاشتها الخرطوم منذ الساعات الأولى ليوم أمس، من غارات جوية ومعارك عنيفة اندلعت في عدة مناطق بالخرطوم وتوسعت رقعتها حتى إلى خارج العاصمة، على صراع خفي في أعلى هرم السلطة العسكرية في السودان حول مقاربة تسيير شؤون البلاد بعد الإنقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الرئيس السابق عمر البشير. وبدأت بوادر هذا الصراع الخفي تظهر تدريجيا للعلن في ظل تضارب مواقف الجنرالين البرهان وداغلو، حول سبل تسيير الشأن العام للبلاد، حيث أبدى الأخير دعمه للحركة الاحتجاجية التي شهدتها السودان مؤخرا ضد الجنرال البرهان وسياساته. هذا الأخير الذي كان أطلق مسارا للتوصل إلى تسوية سلمية واتفاق لتسليم السلطة للمدنيين لقيادة المرحلة الانتقالية ينسحب منها الجيش وأيده الجنرال داغلو. ووقع حينها الجيش السوداني وهيئات من المجتمع المدني وأحزاب سياسية اتفاقا إطارا شهر ديسمبر الماضي، نص على تدشين مرحلة انتقال سياسي يقودها مدنيون لمدة عامين وتنتهي بإجراء انتخابات بهدف إنهاء الأزمة السياسية التي اندلعت بعد سيطرة الجيش بزعامة قائده عبد الفتاح برهان، على السلطة في أكتوبر 2021. وفي سياق الاشتباكات التي هزّت السودانيين توالت أمس، ردود الفعل المنادية بضرورة الوقف الفوري للاقتتال ودعت الأطراف المتصارعة إلى التهدئة وضبط النفس وحل خلافاتهم بالطرق السلمية. فبينما دعا كاتب الدولة الأمريكي انطوني بلينكن، إلى "وقف فوري" للعنف في السودان، معبرا عن قلقه العميق لانزلاق الوضع بتلك الطريقة العنيفة، دعت روسيا إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة" من أجل وقف إطلاق النار في السودان. وعبرت وزارة خارجيتها في بيان لها عن بالغ قلقها إزاء التطورات العسكرية الخطيرة التي شهدها هذا البلد.