بالألوان الإفريقية الباعثة على التفاؤل والحيوية انطلق أمس بالجزائر العاصمة العرس الثقافي الإفريقي الذي يعود إلى الجزائر لثاني مرة بعد أربعة عقود من تنظيم الدورة الأولى من المهرجان، وبعودته يسجّل العالم "عودة إفريقيا" من بوابة الجزائر التي تؤكّد للمرة الألف بعدها الإفريقي بعدما كان لها شرف التباهي ببعدها العربي عام 2007 بمناسبة احتفالية "الجزائر عاصمة الثقافة العربية". عودة إفريقيا كانت محمّلة بجميع عناصر الاستعراض الفني الكبير فاجتمعت بساحة "صوفيا" أطياف قوس قزح ناسجة جسور الإخاء والصفاء بين الأفارقة، وهي تفتح أبوابها ولجت إلى الجزائر كلّ الألوان التي ترافق شروق الشمس وضوء لهب النيران لتشكّل أطيافا إفريقية تعانق أديم السماء وتنسج مع كلّ نسمة من نسماتها جسورا للعبور نحو الحلم الإفريقي، ركائزها الجمال والتميّز، في استعراض شعبي أعطى المهرجان الثقافي الإفريقي والاحتفالات المخلّدة للذكرى السابعة والأربعين للاستقلال أبعادا جمالية أبدعتها الأنامل الجزائرية وزادها تميّزا الحضور الإفريقي الكبير الذي نثر من ساحة "صوفيا" إلى باب الوادي نفحات نابعة من أصالة القارة الأم. أطياف الطبيعة التقت على أرض الجزائر وحملت معها التميّز والفرحة والكثير من الحبور لتكتسي "المحروسة" رداءً ثقافيا وفنيا على وقع ألوان القارة الباهرة التي امتزجت لتقدّم لضيوف الجزائر، أصدقائها وأشقائها استعراضا شعبيا بثلاث وخمسين شاحنة ترجمت رسائل الحبّ والسلام المغلّفة بالروح الإفريقية والقيم الإنسانية الممتدّة في الزمان والمكان، فألوان القارة السمراء الباعثة على الحياة والتمسّك بكلّ ما هو جميل، الحب، الإخاء والتواصل الفني والحضاري، انصهرت مجدّدا على أرض الجزائر التي تبنّت إفريقيا ثقافيا وفنيا في نهاية العقد السادس من القرن الماضي. إفريقيا التي تحتضنها الجزائر تلاحمت حدودها وانصهرت تضاريسها في أطياف قوس قزح على أنغام فرقة "المزود" التابعة للحرس الجمهوري، "تاكوبا" من أقصى الجنوبالجزائري، "الفنتازية" من عاصمة الميزاب غرداية وكذا الخيالة الذين منحوا أجواء القافلة الإفريقية نكهة خاصة، زادتها الأنغام الجزائرية التي صدحت بها فرق فلكلورية جزائرية قدمت من الأمصار الأربعة للجزائر وقدّمت نغمات مستمدة من الخزّان التراثي الجزائري مدعومة بالإيقاعات الإفريقية على وقع البارود. توالت المجسّمات الثلاثة والخمسين بعدد الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، من جنوب إفريقيا، إلى أنغولا، ومن البنين إلى بوتسوانا وبوركينا فاسو، ومن البوراندي إلى الكاميرون مرورا بالرأس الأخضر معرّجين على إفريقيا الوسطى، ومن الكونغو برازافيل إلى الكونغو الديمقراطية، وصولا إلى كوت ديفوار، جيبوتي، مصر، إريتيريا، أثيوبيا، الغابون، الصحراء الغربية، اللوزوتو، السيشل وسراليون، وكذا التشاد والطوغو وغيرها من الوفود الإفريقية التي قصدت الجزائر لتشارك القارة السمراء فرحتها الكبرى. كلّ خطوة تسيرها القافلة الإفريقية كانت عرسا أعاد لإفريقيا بريقها الأوّل، وأبرزت كلّ حركة تعبيرية للفرق الفلكلورية الإفريقية المشاركة تطلّعات وآمال القارة السمراء في هذا العالم المعاصر الذي تتحكّم فيه شروط العولمة ويبيّن تمسّكها بجذورها وأصولها، فترجم موعد إفريقيا تحية جزائرية خالصة ونابعة من العمق ركائزها التحدّي، إلى كلّ شعوب القارة السمراء "القارة الأم"، تحية مفعمة بالمحبة والتقدير لقارة أعطت الحياة للعالم وبقيت شامخة رغم المآسي والمحن، لأنّها بالبساطة والتواضع تقهر التحديات. بحضور رئيسة اللجنة التنظيمية للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني خليدة تومي والوزراء السادة عز الدين ميهوبي كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلّف بالاتصال، عبد الحميد بصالح وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، عبد القادر مساهل الوزير المنتدب لدى وزير الخارجية مكلّف بالشؤون المغاربية والافريقية، إلى جانب 37 شخصية رسمية إفريقية بين وزير، نائب وزير ووكيل وزارة، وكذا أعضاء السلك الدبلوماسي الإفريقي والعربي المعتمد بالجزائر، وبعض الوجوه الثقافية والتاريخية الجزائرية، استمتع زوّار العاصمة بجزء مشرق من إفريقيا..جزء عماده الأمل والإصرار على التفرّد الإبداعي. القافلة الاستعراضية الضخمة عكست ثراء الإرث الحضاري والثقافي للقارة السمراء عبر رموز انتقائية تحمل ملامح وميزات ومعالم كلّ دولة على حدة، وقد شارك في انجاز هذا العمل الضخم 325 شخصا، وقد استغرقت مدّة انجاز هذا المشروع الذي كان فرجة حقيقية للجمهور الذي اصطفّ على طول شارعي زيغود يوسف وتشي غيفارا، 60 يوما بمساهمة وزارة الدفاع الوطني التي منحت ورشة خاصة لإنجاز المجسّمات.