تشهد الشواطئ في هذه الأيام إقبالا منقطع النظير مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة من جهة، ومع بدء عطل العمال والموظفين من جهة أخرى، وينتظر أن يشهد شهر جويلية الجاري ضغطا كبيرا على الشواطئ بسبب استقبال شهر الصيام أواخر أوت القادم، لذلك فإن الشواطئ تشهد بدءا من ساعات النهار الأولى توافدا كبيرا قد لا يجد قاصد الشاطئ بعد الظهر مكانا مناسبا لنصب شمسيته، بل إنه لا يجد حتى شمسية يمكنه استئجارها. تسجل الشواطئ في هذه الفترة إقبالا منقطع النظير من قبل المصطافين الذين يتوافدون عليها بأعداد كبيرة، وفي يوم شديد الحرارة كانت وجهتنا بعض شواطئ ولاية بومرداس التي شهدت إقبالا متواصلا من طرف العائلات، بدءا من الساعة العاشرة صباحا. ومن قصد الشاطئ بعد الظهر كان صعبا عليه أن لا يجد مكانا لنصب شمسيته إلا بعيدا جدا عن الشاطئ. قصدنا الشباب القائمين على "المخيم العائلي" بالشاطئ رقم واحد، وبعده شاطئ قورصو بمدينة بومرداس، واللذين يحتويان على عدد كبير من الشمسيات والطاولات المقسمة على عدد من المخيمات يسيرها شباب، يفوق عدد تلك الشمسيات من النوع الكبير أحيانا 150 شمسية بكل مخيم. جلسنا رفقة إبراهيم لسويعات نجس خلالها نبض التوافد على الشاطئ. وعند الحادية عشرة صباحا بدأ الارتياد في التزايد، وأعين المتوافدين تبحث عن المكان المناسب. وبعد سويعات فقط اكتظ المكان وأصبح من الصعب إيجاد فضاء لنصب الشمسيات والكراسي.
رمال الشاطئ كلها مؤجرة! ما إن تطأ أقدام المصطاف أسفل الدرج المؤدي إلى الشاطئ يبادر مؤجرو الشمسيات بالسؤال إن كان يرغب في كراء شمسية أو كراس مع تقديم الأسعار والخدمات المعروضة، والقصد بالخدمات التأمين على حاجيات المصطاف وعائلته، وكذا الحفاظ على الأمن والسلامة، ويشرف على المخيم العائلي حوالي 15 شابا يضمنون الأمن والسلامة، إلى جانب ذلك يمكن إجراء بعض التخفيضات على الأسعار المقترحة إن كان المصطاف لا يملك مالا كثيرا، وأمام هذه المغريات فإن المصطافين ينتهون باختيار ذلك المخيم على الأقل يضمنون الأمن لهم ولأطفالهم خاصة، أما الأسعار فهي محددة ب400 للشمسية من الحجم الكبير بطاولة من أربعة كراس، مع زيادة 50 دينار على كل كرسي يضاف للطاولة، وهناك الكراسي الممدة ب100 دينار، وهذه الخدمات لمدة غير محددة من الزمن، وإن كانت تدخل ضمن الضروريات على الأقل للاستمتاع بالراحة على ضفاف البحر، فإنه ليس بإمكان الجميع الحصول عليها، خاصة إذا كانت العائلة متكونة من عدة أفراد، حيث تقوم بتأجير الشمسية فقط من النوع الصغير ب100 دينار فيما تفترش قطعا من القماش تحضرها معهما، لأن الأطفال على حد قول أحدهم يقضون معظم الوقت في السباحة. يستقبل الشاطئ الأول خلال أيام الأسبوع ما يزيد عن أربعة آلاف مصطاف، فيما يصل العدد إلى أكثر من خمسة إلى ستة آلاف مصطاف في نهاية الأسبوع وأيام العطل مدفوعة الأجر حسب تقدير الشباب المكلفين بتسيير المخيمات العائلية، ويزيد الإقبال مع مرور الوقت مع توفر الأمن والحماية المدنية، الأمر الذي شجع المواطنين على التردد عليه من مختلف الأماكن، حيث أكدت إحدى السيدات أن المكان شهد تحسنا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية، خاصة مع توفر الأمن الذي يسهر على راحة وسلامة المصطافين من خلال الجولات التي يقومون بها باستمرار، ناهيك عن الأمن الذي يوفره شباب المخيم في حدود المخيم ذاته، بحيث أنهم لايكتفون بقبض مستحقات كراء الشمسيات والطاولات فحسب، وإنما يتجولون باستمرار ضمن المخيم حماية لممتلكات المصطافين من السرقات وحتى مساعدة بعض العائلات كثيرة الأطفال في مراقبة هؤلاء المشاغبين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 إلى 10 سنوات. إضافة إلى ذلك فإن الحفاظ على "حرمة" المكان من المتطفلين الذين قد يتلفظون بكلام بذيء أو يقومون بسلوكيات غير سوية تقلق راحة الموجودين بالمكان، مهمة هؤلاء الشباب الذين يقفون لهم بالمرصاد بحيث يخرجونهم من حدود المخيم. ويعمد بعض الشباب إلى الدخول في عرض البحر إن رأوا أن السلوكات المشينة قد وصلت بالبعض حدود السباحة في محيط إحداهن من "نزيلات" المخيم، وهي الطرق التي يقول عنها إبراهيم إنها من وحي تفكيره هو والشباب لضمان راحة المصطاف بصفة تجعله يألف المكان ويعود إليه مجددا.
هناك زبون.. لا بد من الظفر به! من جهته يؤكد لنا فيصل أن ظاهرة التنافس غير الشريف في جلب المصطافين ودفعهم إلى تفضيل مخيم على آخر تبدأ في حظائر السيارات، بحيث يتقاسم مؤجرو مخيم ما الأمور. يقصد اثنان منهم الحظائر وبمجرد نزول العائلات يستديرون حول الأفراد وهم يثنون على مخيمهم وأسعاره مستخدمين شتى أساليب الإقناع حتى يظفروا بالزبون، ومن أولئك الشباب من يعمد إلى انتقاد المخيمات الأخرى، كأن يعيب على الأسعار المرتفعة، إلا أن أغلب أولئك "المحتالون" كما يصفهم فيصل يلجأون إلى نصب شمسيات بالأمكنة المحظورة أو تلك التي هي في الأساس متروكة للملعب الشاطئي المخصص للألعاب الرياضية الشاطئية، مثلما هو الحال بالنسبة للمكان المسمى "ليروشي" أمام مكان الصخرة السوداء بشاطئ واجهة البحر، بحيث عمد صاحب ألعاب "الطوبوقون" إلى نصب شمسيات بالفضاء الفارغ ويؤجرون الشمسيات ب100 إلى 150 دينار، ولكن الزبون وحده يحكم بعدها على الخدمات والأمن، خاصة في غياب رقابة الجهات المعنية. الظاهرة لم تتوقف عند هذا الحد، بل هناك من الشباب المؤجر للشمسيات من يعمد إلى قصد العائلات التي لا يرافقها رجل لكي يعرض خدماته في رفع الحاجيات التي عادة ما تكون طعام الغداء وقارورات المياه أو حتى الأطفال الصغار إذا كان عددهم يفوق الاثنين، وهو يدعوهم إلى مخيمه، رغم أن المصطاف له الحرية الكاملة في اختيار الوجهة أو المكان الذي يريحه، كما أن هناك خدمة أخرى دخلت "السوق" إن صح القول، وهي حجز الطاولات والشمسيات والأمكنة عبر الجوال، إذ يعمد المؤجرون إلى كسب زبائنهم بما يعرضونه من خدمات و"تخفيضات"، ثم إذا لمسوا منهم تجاوبا فإنهم يعرضون عليهم أرقام هواتفهم حتى يحجزوا لهم المكان الذي يريدونه إن عادوا لاحقا. أحد المواطنين الذي سألناه في الموضوع قال إنه يستنكر مثل هذه الممارسات، لأن المؤجرين لا يبحثون في النهاية سوى عن ضمان ثمن الخدمات المؤجرة، وأضاف بقوله إنه ينزعج من تلك التصرفات، خاصة وأن أولئك الشباب لا يحترمون المصطافين رفقة عائلاتهم، بحيث "يهجمون" على النازل من سيارته وهم لا يرتدون قمصانا، وهذا عيب أمام الأهل، صحيح أننا في حدود البحر ولكن للمظهر دور كبير، لأنه لا يصح حسب اعتقادي يقول أن يمشي الإنسان خارج حدود رمال الشاطئ وهو عاري الظهر. وبهذه الممارسات وإن كانت مرخصة على الأقل للعائلات ضمانا لبعض الراحة المنشودة على الشاطئ، وللشباب المستثمرين الذين يحضرون مطولا لكسب مساحة رمال لكرائها والربح من ورائها عوض البطالة التي تطاردهم باقي أيام السنة، إلا أن الحق يقال أن الشواطئ أضحت حاليا خدمة للدفع المسبق، أي إن أردت قصد البحر فإنه لا مفر لك من الوقوع في قبضة المؤجرين، لأنه لا مكان آخر خال.. كل الرمال مؤجرة وإن وجد فضاء شاغرا فإن السراق واللامن سيتربصان بك وبحاجياتك، لذلك ستذعن لا محالة للخدمة المقترحة، فما على القاصد للشاطئ إلا أن يضع ميزانيته جانبا. من جانب آخر يحدثنا إبراهيم ورفقائه حول مسألة الحفاظ على نظافة الشاطئ "الخاص" بهم، أي أنهم يسهرون على تنظيف المكان كل ليلة، وفي السياق يعيبون على المصطافين الذين لا يهتمون مطلقا بنظافة مكانهم، فهؤلاء لا يحترمون حتى أمكنة رمي النفايات حيث يخلفون وراءهم القمامة هنا وهناك، والوضع يحتاج إلى بعض المسؤولية من طرفهم، ومد يد العون من أجل بيئة صحية لسلامتهم، وما لاحظناه في أغلب المخيمات التي زرناها توفر حاويات القمامة بكل مخيم بمعدل حاويتين إلى ثلاثة، إلا أن المصطافين لا يجدون حرجا في ترك فضلات الأغذية فوق الطاولات وحفاظات الأطفال مغروسة في الرمال.