تتواصل سلسلة تكريمات المهرجان الإفريقي الثاني، والتي مسّت العديد من الطاقات الإبداعية الإفريقية التي أعطت للثقافة المحلية والقارية بريقا آخر وصل لمعانه إلى كل أنحاء العالم، على غرار فقيد الأغنية الترقية عثمان بالي وسفيرها الذي حمل "حقيبة الثقافة الأصيلة" إلى كل القارات "دون اعتماد"، فشرّف حضور الجزائر الثقافي فشُرّف الأربعاء المنصرم بفضاء يحمل إسمه بقصر المعارض بالعاصمة. ولقد حضر حفل تدشين الفضاء وزيرة الثقافة خليدة تومي وأسرة الفقيد عثمان بالي إلى جانب عدد من أعضاء فرقته الفنية، وتمّ عرض شريط وثائقي تناول مساره الفني النابع من التراث الصحراوي الأصيل كأوّل نشاط يحتضنه فضاء "عثمان بالي". وتمّ في الفضاء تنظيم معرض صور أنجزه فنانون من المدرسة العليا للفنون الجميلة بالتنسيق مع عدد من الباحثين والخبراء والمؤرّخين، أبرزت فيه أهمّ المحطات التاريخية التي عرفتها منطقة الصحراء منذ عصور ما قبل التاريخ. ويعدّ الفنان المبدع عثمان بالي الذي وافته المنية بمدينة جانت في 18 جوان 2005 إثر هطول أمطار طوفانية بوادي اجريو، أحد الفنانين الذين بذلوا جهودا كبيرة لحماية التراث الفني الأصيل لسكان التوارق، إسمه هو عثمان مبارك المدعو بالي من مواليد مدينة جانت، عمل بمستشفى "إفري"، متحصّل على شهادة تقني سامي في الطب، هو من أكبر فناني المنطقة وأشهرهم، له باع طويل في العديد من المهرجانات الدولية والوطنية وحتى العالمية أيضا شأنه شأن أمّه خديجة التي تعدّ من كبار الفنانين بالمنطقة. ولهذا ارتأى المرحوم بالي إنشاء فرقة فنية مختلطة أدخل فيها أصواتا نسائية متكوّنة من أخواته وبنات أعمامه جعلت الموسيقى الترقية تكتسب بعدا آخر وتعجب جمهورا واسعا داخل وخارج الوطن، فبلغت شهرته كلّ أرجاء المعمورة، حيث زار كلّ قارات العالم مع والدته وفرقته وقام بتطوير الأغنية التارقية بكل أنواعها وخاصة "التيندي" إذ أنّها النوع المحبب والمتميّز للفنان، كما استمد أغانيه من الأمثال والحكم والوصايا والعبر. وقد أبدع الفنان الراحل في تطوير إيقاعات الموسيقى الترقية من خلال الربط بين مختلف الطبوع، حيث أبدع بالفعل في المزج بين فن أجداده الترقي الأصيل والكلمات العربية والفرنسية التي أدخلها بتناغم مع الشعر الترقي. وفي هذا الإطار، أكّدت رئيسة الفرقة الفنية الترقية المطربة بادي لالة من تمنراست أن الفنان عثمان بالي الذي كان من ضمن فرقتها، عرف بتمسّكه بالتراث الفني التقليدي الأصيل للتوارق والحفاظ عليه لفائدة الأجيال الصاعدة، وحاول الفنان -كما قالت الفنانة بادي لالة- من خلال الكلمات المعبّرة والآلات الموسيقية والألبسة التقليدية حماية أصالة وثقافة المجتمع الترقي، مشيرة إلى أن فرقتها تستخدم موسيقى "الهيلالو" ورقصات من النوع التيندي. وعرضت في أجنحة هذا المعرض أهمّ الحظائر الثقافية لمنطقة الصحراء من بينها حظيرتا التاسيلي والأهقار، إضافة إلى حدائق ثقافية وهي الحديقة الثقافية الأطلس الصحراوي وكذا حديقة توات قورارة تيديكلت وحديقة تندوف، كما شمل المعرض أهمّ الصناعات والحرف التقليدية المختلفة والثروات الطبيعية التي تتمتّع بها الصحراء، علاوة على المشاريع التنموية التي سطّرت لفائدة سكان المنطقة. كما نشّطت فرقة الغناء والرقص الترقي حفلا فنيا تمّ خلاله تقديم باقة من الأغاني الترقية للمطرب المرحوم عثمان بالي نشّطها كلّ من "لالا بادي"، "ميلودي شوغلي" ونبيل بالي إبن الفنان عثمان بالي، وبالمناسبة قدّمت فرقة الرقص للبوراندي رقصات معبّرة عن التراث المحلي لهذا البلد الإفريقي.