دعا المشاركون في ندوة "الرقمنة والمكتبات الجوارية والجامعية" التي نُظمت بالفضاء الرقمي في إطار الصالون الدولي للكتاب، إلى التحكم في الرقمنة، واستعمالها في مؤسساتنا وبالأخص المكتبية منها؛ خدمةً للقارئ الجزائري. بالمناسبة، قدّم الأستاذ دحمان مجيد مقارنة بين انتشار الرقمنة في زمننا واختراع المطبعة في القرن الخامس عشر، مؤكدا عيشنا في مفترق الطرق. كما لا يجب أن نتخلف عن الركب الحضاري الذي يميزه. واعتبر أن اكتشاف الديجيتال من خلال استعمال كوابل تتحكم فيها برمجيات معيّنة عبر منصات، لأمرٌ في غاية الأهمية، مضيفا: "يجب علينا الاستفادة منه، وهو ما نراه على مستوى المكتبات الافتراضية التي تخلت عن مكانها الفيزيائي وكراسيها وطاولاتها، وأصبحت تضمّ أرصدة ذات طابع مختلف عما عهدناه. وهكذا وجد القارئ أو المستخدم نفسه مهما اختلف مستواه التعليمي وسنه، أمام أرصدة معرفية لا تُعد ولا تحصى، علاوة على إمكانيته في الوصول إلى المعلومة وهو في بيته، وفي أيّ وقت يريده". وتحدّث دحمان عن موضوع تغير وظيفة المكتبي، الذي بعد أن كان مهتما بمهام التكشيف (التحليل من أجل إعداد مداخل موضوعية تصف محتوى مصادر المعلومات، وتُستخدم كمفاتيح لاسترجاعها)، والاستخلاص (التحليل من أجل تقديم ما تشمل عليه مصادر المعلومات من معلومات مناسبة)، وغيرهما من المهام التقليدية لوظيفته، وجد نفسه يتعامل مع الرقمنة، وبالتالي وسيطا بين الأرصدة المعرفية الغزيرة جدا، وحاجيات القارئ المختلفة. كما لم يعد يتحكّم في تسيير المكتبة، بل في تسيير محتواها. وتابع أنّ في المكتبة الرقمية يمكن القارئ أيضا، أن يضيف ملاحظة على كتاب طالعه. كما يستطيع ترجمة مقطع أو حتى كتاب بكامله، للغة التي يتقنها. وبالمقابل، قال إن تقنية "أوبن أكسس" أي توفير الموارد بالمجان، مطروحة بشدّة في العالم، بالإضافة إلى تقنية "أوبن سورس"؛ أي الحصول على التطبيقات بالمجان. كما نوّه باستثمار الدولة الجزائرية في المكتبات؛ سواء العمومية منها أو الجامعية، ليطالب بضرورة اللجوء إلى المكتبات الهجينة التي تجمع بين الكتاب المطبوع، ونظيره الإلكتروني. وعاد المتحدث للتأكيد على عيشنا نقلة تشبه النقلة التي عاشها العالم باكتشاف المطبعة؛ إذ بعدما قمنا بالأتبتة؛ أي الرقمنة على مستوى المكتبات مثلا، سنتمكن من تحقيق قفزة نوعية كبيرة. وبدورها، تناولت الأستاذة سجية يحياوي تجربة جامعة تيزي وزو في رقمنة مكتباتها، فقالت إن الرقمنة عرفت انتشارا واسعا في عدة قطاعات، خاصة المتعلقة بالمعلوماتية؛ خدمة للمتلقي الذي يمكنه الوصول إلى المعلومة بأقل جهد وفي وقت سريع، لتتساءل عن واقع الرقمنة في المكتبات الجامعية. وفي هذا دعت إلى إنشاء المزيد من المكتبات الرقمية لتقديم خدمات بشكل أفضل، خاصة مع انتشار استعمال الأنترنت، مضيفة أن هذا الأمر يؤدي إلى حفظ النسخ الأصلية للمخطوطات والكتب، وإتاحة مصادر المعلومات، وتسهيل وصولها إلى المستفيدين. وتطرقت أيضا للتحديات التي تواجه الدولة في مسألة الرقمنة، والمتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وغياب الأنظمة القانونية الخاصة بها، وكذا التكاليف المالية الباهظة، المتعلقة بمشاريع الرقمنة، وربط عملية التحول الرقمي وقلة الوعي في الثقافة الرقمية، لتقدم مجموعة من الاقتراحات، من بينها تعديل القوانين الجزائرية، خاصة في ما يتعلق بحقوق المؤلف في البيئة الرقمية، وكذا تشجيع البرامج مفتوحة المصدر التي تقدم خدمات كثيرة. واقترحت سجية يحياوي أيضا، تبني السلطات خطة استراتيجية حول مشروع الرقمية وعدم تجسيد أيّ منها من دون تخطيط، علاوة على توفير ميزانية كافية، وتكوين الكوادر البشرية، والاستفادة من تجارب العالم. وتطرقت الأستاذة لاستعمال المكتبات الجامعية الجزائرية لأنظمة آلية لتسيير المكتبات، بعد أتممة أرصدتها. كما تتعاون كثيرا مع شركة "سيريست"، لتقدم بعدها أمثلة عن منصات تستعملها المكتبات الجامعية مثل "بروغراس"، والفهرس الآلي للمكتبة، والبوابة الرقمية، والمنصة الجزائرية للمجلات العلمية، والمكتبة الرقمية "اِقرأ" والمنصة الوثائقية الجزائرية. ومن جهتها، تطرقت الأستاذة حسنية إحسان لعجل، لاهتمام وزارة التعليم العالي بالرقمنة، وهو ما نلاحظه، مثلا، في المكتبات الجامعية التي تعتمد على هذه التقنية رغم كل التحديات التنظيمية والقانونية والتقنية التي تواجهها؛ مثل حقوق المؤلف، وتكوين مستخدميها وغيرها. وذكرت أن استعمال الرقمنة في المكتبات الجامعية يمكّننا من الوصول إلى المصادر العالمية، وكذا توفير فرص التكوين والتعليم عن بعد، بالإضافة إلى الحصول على وثائق وكتب رقمية، وحفظ المصنفات الهشة، وتحقيق التبادل المعرفي بين الدول. وأكدت المتحدثة أن مزايا الاستعمال الرقمي للطالب الجامعي رغم التكاليف الباهظة التي تصاحب الاعتماد على هذه التقنية من طرف الجهات المسؤولة، إلا أنها ستعم بالفائدة على المدى البعيد. كما تحدّثت عن تجربة جامعة عنابة التي تنتمي إليها، في تحقيق مشروع المكتبة الرقمية، والتحديات التي واجهتها؛ مثل المتعلقة بحقوق المؤلف؛ حيث قامت مكتبتها المركزية بشراء كتب رقمية حتى تتجاوز قضية حقوق المؤلف، في انتظار إيجاد حلول أخرى. وتابعت أن جامعة عنابة تهتم كثيرا بكل ما هو رقمي؛ حيث فتحت مكتبتها المركزية بنكا للمعلومات، تبعها المركز الجامعي للتكنلوجيا، والذي خصص بنكه لمذكرات ماستر، يمكن تصفّحها عن بعد.