دعت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، إلى وقف فوري لإطلاق النّار في قطاع غزّة، في تطور لافت في الخطاب الأمريكي الذي كان ولوقت جد قريب يدعو فقط إلى هدن إنسانية مؤقتة، مانحا بذلك كل الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لمواصلة حرب الإبادة في القطاع المنكوب بكل الأشكال والصور. دعت كامالا هاريس، الحكومة الإسرائيلية إلى وقف فوري لإطلاق النّار في قطاع غزّة، وطالبتها بزيادة تدفق المساعدات لتخفيف ما وصفتها بظروف "غير آدمية" و"كارثة إنسانية" بين الشعب الفلسطيني، فيما بدى أنه إقرار ضمني منها بتجاوز الكيان الصهيوني لكل الحدود في حربه الهمجية على غزّة. وفي كلمة خلال زيارة قادتها مساء أول أمس، إلى مدينة سيلما بولاية ألاباما الأمريكية، قالت هاريس "يتضور الناس جوعا في غزّة.. الظروف غير آدمية وإنسانيتنا المشتركة تلزمنا بالتحرك"، مضيفة أنه "لا بد أن تفعل الحكومة الإسرائيلية المزيد لزيادة تدفق المساعدات بشكل كبير.. لا أعذار". كما حثّت هاريس، حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على قبول اتفاق للإفراج عن الأسرى الاسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة من شأنه تطبيق وقف لإطلاق النّار لمدة ستة أسابيع والسماح بتدفق مزيد من المساعدات. وحسب ما كشفته تقارير إعلامية، فقد مارست هاريس، ضغوطا على الحكومة الإسرائيلية، حيث ذكرت سبلا معينة يمكن من خلالها إدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع المكتظ بالسكان، والذي يواجه مئات الآلاف فيه مجاعة في ظل استمرار العدوان الصهيوني الجائر عليه. ويعد تصريح نائبة الرئيس الأمريكي، من بين أكثر التعليقات حدّة ضد اسرائيل الذي يأتي على لسان كبار المسؤولين الأمريكيين الذين دعوا مؤخرا، الكيان المحتل إلى التخفيف من حدّة الأوضاع في قطاع غزّة والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية. كما أن استعمال هاريس، لمصطلح "وقف فوري لإطلاق النّار" يعد تطورا مثيرا في الموقف الأمريكي الذي اتسم منذ بداية هذا العدوان الغاشم في السابع أكتوبر الماضي، بالانحياز المفضوح إلى جانب الجلاد على حساب الضحية، حيث كان يطالب فقط بهدنة إنسانية مؤقتة بحجة أن وقف كلي ونهائي يسمح للمقاومة وحركة "حماس" التي تصنّفها الولاياتالمتحدة في خانة "المنظمات الإرهابية" بتقوية موقفها. وهو ما اتضح جليا في تصويت واشنطن ضد كل القرارات الأممية المطالبة بوقف العدوان الصهيوني على قطاع غزّة داخل مجلس الأمن الدولي، والتي كان آخرها مشروع القرار الأممي الذي تقدمت به الجزائر في ال20 فيفري الماضي، والذي دعا إلى وقف العدوان ورفض التهجير القسري للفلسطينيين. ووضع "الفيتو الأمريكي" الذي بقي يغرد منفردا داخل مجلس الأمن، واشنطن في موقف حرج ومأزق جعلها تبدو وكأنها راعية لحرب الإبادة الصهيونية في غزّة، بما ألّب ضدها ليس فقط الرأي العام الأمريكي، "تشير آخر نتائج سبر الآراء إلى أن ما لا يقل عن 60 بالمئة من الأمريكيين لا يوافقون سياسة الرئيس جو بادين، في التعامل مع حرب اسرائيل على غزّة"، ولكن حتى الرأي العام العالمي الذي انقلب على الكيان الصهيوني، لم يعد ينظر إلى الولاياتالمتحدة على أنها تلك الديمقراطية الحقّة المدافعة عن حقوق الإنسان. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا تبنّت واشنطن في هذا التوقيت بالتحديد نبرة حادة إزاء الكيان الصهيوني الذي استمد قوته طيلة خمسة أشهر كاملة من عدوانه الهمجي على القطاع من مواقف الولاياتالمتحدة الداعمة له، والتي أيّدته حتى بالسلاح والذخيرة الحربية في مواجهة شعب أعزل. فهل تكون واشنطن قد أدركت خطورة المأزق الذي وقعت فيه بسبب دعمها اللامشروط لإسرائيل الذي زعزع صورة الديمقراطية المدافعة عن حقوق الإنسان والمنادية بالمساواة والعدالة، وتسعى حاليا لاستدراك ما يمكن استدراكه على أمل التوصل إلى وقف لإطلاق النّار مع حلول شهر رمضان الكريم. سؤال يبقى مطروح في انتظار نتائج الجولة الجديدة من المفاوضات التي تحتضنها منذ يومين العاصمة المصرية القاهرة، بحضور وفد عن حركة "حماس" ووفود الوسطاء من قطروالولاياتالمتحدة، والرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النّار يطبّق على الأقل خلال الشهر الفضيل.