استلم عميد مسجد الجزائر، فضيلة الشيخ المأمون القاسمي الحسني، أمس، بمقر مؤسسة عبد الحميد بن باديس، بقسنطينة، مكتبة الشيخ عبد الحميد بن باديس، التي تضم 808 عنوان، لتكون كتبا وقفية على جامع الجزائر، تنفيذا لوصية المرحوم عبد الحق بن باديس، الشقيق الأصغر للعلامة، حيث قدمت هذه الهبة السيدة فوزية بن باديس، ابنة المرحوم عبد الحق، بنسختيها الورقية والرقمية، بحضور العديد من الوجوه البارزة وعلى رأسهم الوزيرة السابقة، السيدة زهور ونيسي، خريجة المدرسة الباديسية. اعتبر الشيخ المأمون القاسمي الحسني، مناسبة تسلم مكتبة العلامة عبد الحميد بن باديس، "يوما مشهودا"، مضيفا أن ابن باديس هو عالم الجزائر وإمامها، "وهذه المكتبة للشيخ عبد الحميد بن باديس، تحتوي كتبا نفيسة، حملت علوما درسها الشيخ وكان يحرص عليها تحصيلا وعطاء"، واعتبر المتحدث أن "يوم العلم اختاره الله ليكون متزامنا مع هذه الذكرى، وهو اختيار كان لمكانة الشيخ ابن باديس والذي يرمز إلى العلماء العاملين والربانيين، الذين حملوا بحق ميراث النبوة وصدق فيهم الوصف وهم يحملون هذه الأمانة للعلم الشرعي". وأشار عميد جامع الجزائر، إلى أن الاتصال بعائلة ابن باديس من أجل تقديم الهدية، كان قبل أشهر، لكنه فضّل أن يتم الأمر بمناسبة الاحتفالات بيوم العلم. وقال إن المكتبة التي تنسب إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس، تحتوي "ذخائر وكنوزا"، مضيفا أن الشيخ عبد الحميد بن باديس "كان يمثل علماء الأمة العاملين، حيث كانت الدعوة متجددة ليكون يوم العلم مناسبة للتذكير بفضل العلم وبدور العلماء في حياة الأمة". وبالمناسبة، زار الشيخ المأمون القاسمي الحسني، الجامع الأخضر بحي الجزارين بقلب المدينة القديمة، وهو الجامع الذي بناه الباي حسن بن حسين، الملقب بأب حنك، الذي تولى حكم قسنطينة بين 1149 هجري و1168، وقد اتخذ العلامة ابن باديس من هذا المسجد، طيلة ربع قرن، منبرا له لنشر العلم وتنوير عامة الناس في إطار الحركة الإصلاحية التي تبناها منذ أن قرر ولوج هذا الطريق الصعب. كما وقف عميد جامع الجزائر على قبر الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس، بالمقبرة العائلية بحي الشهداء وترحم على روحه الطاهرة. وزار بنهج الشيخ عبد الحميد بن باديس، مسجد الأربعين شريفا، الذي خضع إلى عملية ترميم، بعدما طاله النسيان، وأغلق أبوابه لأكثر من أربع سنوات، وبات وضعه كارثيا. وقد عرف المسجد في وقت سابق (1860) بدار القاضي، حيث كانت توثق عقود الزواج والطلاق، كما يضم ضريح الولي الصالح علي بن مخلوف الذي نقلت رفاته إلى مكان أخر. في تصريح له بالمناسبة، أكد الدكتور عبد العزيز فيلالي، رئيس مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، أن مكتبة الشيخ، التي وهبت إلى جامع الجزائر، ثرية بالكنوز العلمية وبأمهات الكتب في مختلف المجالات، حيث اقتناها الشيخ في شبابه، خلال زياراته العديدة لتونس، القاهرة، الإسكندرية وبلاد الحجاز وكذا الكتب التي كانت تأتيه عن طريق الأصدقاء أو البريد من المغرب العربي والمشرق العربي وحتى من أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، وكانت تفلت من يد رقابة الشرطة وعيون الاستعمار الذي كان يمنع إدخال مثل هذه الكتب ويضرب سياجا محكما حول الجزائريين لعزلهم عن محيطهم العربي والإسلامي. وحسب الدكتور فيلالي، فإن مكتبة الشيخ ذات قيمة علمية ومعرفية وتاريخية لرائد النهضة والإصلاح في الجزائر، تضم في رفوفها ما يزيد عن 800 كتاب، شكلت زاده العلمي والمعرفي أثناء جهاده في التعليم، حيث احتفظ بها أخوه الأصغر المرحوم عبد الحق بن باديس وحافظ عليها من عوامل الزمن والإتلاف لأكثر من 80 سنة، قبل إهدائها إلى جامع الجزائر على غرار التراث المادي للشيخ الذي تم إهداؤه إلى المتحف المركزي للمجاهد بالجزائر العاصمة. وبخصوص اختيار مكتبة جامع الجزائر، أكد الدكتور فيلالي، أن السبب بسيط، يرتبط بكون الإمام بن باديس، كان قد كرس حياته للتدريس والتفسير في المساجد عبر ربوع الوطن، "فأراد شقيقه اهداء مكتبته إلى هذا الجامع، لكن الأقدار شاءت أن يرحل قبل أن يحقق هذه الأمنية، وتكاثفت الجهود مع ابنته التي بلغت الرسالة ونفذت الوصية وحافظت على الأمانة، حتى تصل الهبة إلى مكتبة جامع الجزائر وتكون صدقة جارية وأول مكتبة وقفية تدخل هذا الصرح الديني، الذي تضم مكتبته حوالي 1 مليون كتاب".