فضلت العديد من العائلات الجزائرية المقيمة بالمهجر والتي جاءت لقضاء عطلة الصيف بأرض الوطن تمديد إقامتها بالجزائر لأداء فريضة الصيام رفقة الأقارب والأحباء واسترجاع معهم نكهة رمضان المفقودة ببلاد المهجر، "المساء" اقتربت من بعض هذه العائلات وأجرت دردشة رمضانية معها. كانت السيدة سهيلة ميهوبي أول من التقينا بها وفتحت لنا قلبها وهي تبدو في أوج سرورها خاصة و أن زيارتها لأرض الوطن تعتبر الأولى منذ زفافها قبل أربع سنوات، وشاء القدر أن تطير آنذاك السيدة ميهوبي إلى بلد "العم سام" أمريكا وبالتحديد إلى ولاية كاليفورنيا، حيث يقيم زوجها محمد منذ أزيد من 12 سنة. عادت سهيلة بغرض قضاء جزء من عطلتها مع عائلتها بالعاصمة ولكن رمضان كان الدافع الأول والأساسي لمجيء سهيلة إلى الجزائر. "سبق وأن قضيت الشهر الفضيل بأمريكا مرتين وكانت التجربتان قاسيتين جدا بالنسبة لي خاصة وأنني كنت حديثة العيش في المهجر، لم أتحمل غياب والدتي وأشقائي وشقيقاتي من حولي، إضافة إلى بعدي عن الأجواء الرمضانية التي كنت أصنع جزءا منها داخل عائلتي بصفتي البنت الكبرى، فكنت أرضي طلبات أفراد العائلة من حيث الأطباق التي كنت أحضرها وغيرها من التفاصيل الجميلة التي كنت أستعيدها في ذهني وأنا بمفردي في مطبخي، بأمريكا أحضر شربة كان طعمها يبدو لي مختلفا تماما عن تلك التي كنت أحضرها لأسرتي في الجزائر". ولم تكن مسألة مجيئ سهيلة إلى الوطن الحبيب بالأمر السهل خاصة وأن زوجها تعذر عليه مرافقتها بسبب العمل وبعض المشاغل المرتبطة بآثار الأزمة المالية العالمية والتي ضربت بلد العم سام بقوة، إذ روت لنا محدثتنا كيف تأثرت أسرتها الصغيرة بالأزمة، حيث وجدت نفسها أمام العدالة للدفاع عن حقها في المسكن الذي استفاد منه الزوج محمد منذ سنوات عن طريق قروض بنكية. ورغم كل التكاليف التي جاءت لتثقل ميزانيتنا تضيف "سهيلة" إلا أن قرار السفر إلى الجزائر خلال هذه الصائفة كان لا رجعة فيه، فقد كانت فكرة رؤية عائلتي وأحبائي وأقاربي من جديد تثلج صدري خاصة وإنني رزقت قبل سنة بمولودة كنت متلهفة لإحضارها وتقديمها لعائلتي ولتحتك هي أيضا لأول مرة بوطنها الحبيب". وعن رمضان 2009، قالت سهيلة أنها لا تنساه أبدا كونها استعادت خلاله جلسات اعتادت عليها منذ صغرها بين أحضان ودفء عائلتها الكبيرة واستعادت معها ذوق "زلابية" بوفاريك، حيث يقيم أحد أشقائها ونكهة الحلويات التقليدية الأخرى التي تميز شهر رمضان وعلى رأسها "قلب اللوز" الذي كانت تتفنن الوالدة في تحضيره. وما زاد من ثراء أيام رمضان لدى سهيلة التي أرادت أن تغتنم كل لحظة وجودها بالجزائر هو تهافت الأقارب والأحباب لدعوتها إلى موائدهم الرمضانية "لقد أجبرتني كثرة الدعوات على ضبط رزنامة خاصة وكم يسعدني منافسة من حولي على من يستضيفني الأول تستطرد سهيلة قائلة وهي تداعب شعر ابنتها التي كانت تبدو وكأنها سعيدة باكتشاف وطنها الأصلي حتى وهي رضيعة. ويبقى قضاء رمضان في الجزائر بين العائلة في كل سنة حلم سهيلة ومشروعها الأول الذي تحضر له ما يلزم من مصاريف لكن في انتظار ذلك تستعد لاقتناء ملابس عيد الفطر لابنتها كغيرها من الأمهات من محلات العاصمة رغم إحضارها ما يكفيها من ألبسة جديدة من المهجر لا لشيء إلا لتعيش طعم الاستعداد لهذه المناسبة الدينية الغالية التي افتقدتها منذ أزيد من أربع سنوات. شتان بين رمضان الجزائروميلانو عائلة السيدة "أبزاز سيسي" هي الأخرى مقيمة بالمهجر وبالتحديد بمدينة ميلانو الايطالية قدمت إلى جزائر ككل سنة لقضاء العطلة الصيفية رفقة الوالدين والعائلة الكبيرة إلا أن تزامن شهر رمضان هذه السنة مع العطلة الصيفية أسعدها كثيرا، خاصة وأن هذا يحدث لأول مرة بعد 11 سنة من الغربة، "لم نذق طعم رمضان الذي اعتدنا عليه منذ صغرنا طيلة هذه المدة وها أنا أستعيده رفقة والدي اللذين اشتاق إليهما أكثر من أي أحد وأنا بأرض الغربة وكم يزيد من شوقنا ما نشاهده على القنوات الفضائية الجزائرية ونحن بعيدين عن الوطن رغم أنها في نفس الوقت تقربنا من أهالينا". وروت سيسي لنا عن ظروف الصوم في ايطاليا، حيث تقيم رفقة زوجها وابنتها البالغة من العمر تسع سنوات موضحة كيف أن توقيت العمل لا يتلاءم مع ظروف الصوم وكثيرا ما يجبر الصائم على البقاء في موقع عمله حتى وأن حان موعد الإفطار. كما أن لا فرق بين رمضان وسائر أشهر السنة حسب سيسي التي افتقدت طيلة 11 سنة السهرات الرمضانية والدينية فرمضان في ميلانو -تضيف محدثتنا - نقضيه بين العمل ثم البيت لتحضير الإفطار وبعد ذلك مباشرة النوم لالتحاق في الصباح الباكر بالعمل ولا شيء يميز رمضان في المنطقة التي نقيم فيها لأنه لا يتواجد فيها الكثير من أبناء الجالية المسلمة ليقتصر تواصلي اليومي على عائلة مغربية متواجدة بالحي الذي أقطن به حيث نتبادل من حين إلى آخر الزيارات ونتقاسم بعض اللحظات نتبادل فيها أطراف الحديث حول الأهل والحنين إلى الوطن. واعتبرت سيسي نفسها محظوظة لأن تاريخ عودتها ربما سيسمح لها بقضاء ولو اليوم الأول من عيد الفطر مع الأهل والأقارب قبل المغادرة نحو إيطاليا، خاصة وأن حدثا سعيدا جاء ليزيد من فرحة تواجدها بين الأحبة وهو ازدياد توأم في العائلة ولتكتمل هذه الفرحة تترقب سيسي ليلة رصد هلال العيد بلهفة وشغف كبيرين.