التغير عادة ما يحصل في تغير الإنسان نفسه، والتغير الذي يحصل بالمكان هو نتيجة تغير هذا الإنسان نحو الأفضل أوالأسوأ، فكثيرا من الأماكن كانت قاحلة فتحولت إلى حقول خصبة أومدن عامرة، وأماكن أخرى كانت عامرة مسها الدمار والخراب وأقامت فيها الوحشة، والثقافة هي الأخرى تعرف هذا الإجراء وكذا العادات والتقاليد بفعل تطور الإنسان أو تدهوره وتراجعه، والعيد في بلادنا ولعله في البلاد الإسلامية الأخرى يكون قد عرف هذا التحول سواء بإضافته لأشياء جديدة نظرا للتطور الحاصل، أو افتقاده لأخرى كانت تعد من أساليبه ومن طقوسه الاحتفالية. بالأمس القريب كان العالم الإسلامي خصوصا في عواصمه الكبرى يفطر على دوي المدفع حتى سمي المدفع بمدفع رمضان، وكم كانت هذه الطلقات المدفعية تدخل الفرح في نفوس الصغار وهم يهرولون إلى بيوتهم لإعلام أهلهم أن موعد الإفطار قد أزف، وكم تكون الصورة جميلة والأطفال في أحيائهم ينتظرون دوي المدفع، الجزائر العاصمة حافظت على مدفع رمضان وكانت تطلق قذيفة الإفطار رغم توفر الوسائل الحديثة في ستينيات القرن الماضي من تلفزيون وإذاعة، لكن بمرور الزمن ألغي هذا التقليد الذي كان جزء من تقاليدنا وثقافتنا وأصبحت طلقة الإفطار باردة جامدة وربما انتظرها الأطفال ذات يوم رمضاني ولم يسمعوها. للعيد أيضا نكهته مثله مثل رمضان بل ثقافته الاجتماعية والدينية والتقليدية فمثلما كان يحضر لرمضان يحضر أيضا للعيد. يبدأ التحضير للعيد في العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث تتحول لياليها إلى عيد متواصل، تقام الأفراح ليلة القدر بختان الصبيان، ثم تبيض البيوت وتقتنى لوازم العيد وتحضر الحلوى بمختلف ألوانها وأشكالها وتدخل هذه في مراسم العيد، بالإضافة إلى شراء الملابس الجديدة للأطفال واللعب وربما تنتصب في الساحات العامة الملاهي من سرك وألعاب تدخل البهجة في نفوس الأطفال هذا بالنسبة للعيد في المدن وأثر ثقافته فيها فكيف هي ثقافة العيد والاحتفال به في القرى والأرياف والبوادي ؟. ربما الكثير من الناس يعتقد أن ما يجري على عيد المدن يجري على عيد الأرياف والقرى والبوادي خصوصا في الطقوس الاحتفالية، العيد في البادية وما شاكلها يختلف عنه في المدينة لأن للبادية ظروفها الخاصة، البادية هي الأخرى تستعد للعيد وكذا القرى والأرياف. الإعداد للعيد قد يبدأ في العشر الأواخر في الريف، حيث يحضر له كل ما يميزه عن الأيام الأخرى من مأكل وملبس ومركب. الإعداد الذي يشترك فيه وجوه القوم من الرجال وكذلك الشباب هو الإعداد لسباق الفروسية، إعداد البندقية وصناعة البارود وكذا تصليح عدة الفرس والفارس من اللباس والحزام وغيرها لأن مكان الاحتفال وحلبة المهرجان تكون معرفة لدى الجميع في أرض منبسطة ربما تنصب فيها الخيام وكذا معارض الباعة من التجار من ألعاب وحلويات للأطفال وغيرها، وتجتمع القرية أوالقبيلة عن بكرة أبيها في المكان المحدد وتقام الصلاة في العراء ثم التغافر والزيارات بين الأهل وتخرج جفن الطعام (الكسكسي) المزينة بالرمان والزبيب والمسقية بالسمن والعسل واللبن بالإضافة إلى أطباق الحلويات والتي تجلب من السوق وتخلط مع التمر والفول السوداني وتقدم للأطفال والزوار على السواء. العيد تغير من حيث الوسائل المستعملة التي أزاحت الثقافة والتقاليد وأبدلتها بأخرى لم تكن موجودة في السابق، وتغيرت نكهة العيد أيضا ولم تعد بمذاقها التقليدي وأصبحت مقصورة على الأطفال فقط، وربما الزيارات المتبادلة بين الأهل والأصدقاء وصلة الرحم أصبحت هي الأخرى من التقاليد التي يهددها الزوال من خلال الهاتف النقال والرسائل الالكترونية. ثقافة العيد فقدت الكثير من ألقها وتوهجها فلا فروسية ولا بارود ولا حتى شعراء يلقون قصائدهم ومسارح الظل وعرائس القرقوز، وحتى الأطفال رغم ملابسهم الجميلة فإنهم فقدوا شيئا ثمينا من نكهة العيد وهو جمع الدراهم من خلال زيارات الأهل والأصدقاء لأن الدراهم التي كانوا ينتظرونها من أهلهم صرفت في بطاقة المكالمات الهاتفية والرسائل، وأصبحت قاعدة ألعابهم المقاهي الالكترونية.