في إطار القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية استضاف فضاء "صدى الأقلام" الذي ينشطه الشاعر عبد الرزاق بوكبة الأديب والمترجم محمد بو طاغان مساء أول أمس، بقاعة "الحاج عمر" بالمسرح الوطني الجزائري، حيث قدم في هذا الفضاء ترجمته لنص رواية (الأغاد الحالمة) للكاتب الإفريقي الكونغولي "ماكسيم نديفيتا" إلى العربية. الشاعر محمد بو طاغان شعلة من الأدب والحيوية، صدرت له عدة مجموعات شعرية، وعدة روايات مترجمة لكبار الأدباء العالميين ومنهم من تحصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1956. عندما تحدثنا مع بوطاغان حول هذا النص المسرحي لمسنا فيه المثقف الذي يتنفس الكلمة الشعرية ويمشي على خارطة الثقافة الإفريقية بكل ثقة وثبات. النص المسرحي الذي عاينه بعمق وبحب، بل كما قال وجد فيه الترابط الروحي لصوفية نقية بهذه الثقافة لمسها بكل شعائرها وطقوسها وأسرارها. في هذا النص حسبه وجد إفريقيا بكل بعدها الإنساني، بكل أقنعتها ورموزها وطقوسها في السلم والحرب وفي الخروج إلى الصيد، في قبائلها التي ما تزال تشكل المبتدأ الأول للإنسان الموشى بالطبيعة الإفريقية بكل تلوناتها ومفاجأتها، ما تزال بتلك العذرية كعذرية الأدغال تتكشف عن زينتها، عن موروثها الثقافي، بل عن طقوسها الدينية، الوثنية، السحرية التي تتداخل فيها الموت والحياة والطبيعة، كلها تحل وتتحلل في الآخر، كلها تعيش حكاية الإنسان على رقصة "التام تام" حين تقرع الطبول الإفريقية. في هذا الجو الاستوائي الإفريقي رحل بنا الشاعر محمد بو طاغان ليحكي لنا قصته مع هذا النص المسرحي الذي نشتم منه أنفاس وعرق الإنسان الإفريقي من خلال نص يكتب القبيلة والغابة ويتشبث بروحها بسحرها بتمائمها لمواجهة التحول والذوبان والتلاشي أمام زحف المستقبل على الماضي ليمحوه من أجندته ويحوله مجرد أحجية قديمة يتسامر بها الشيوخ، ويتسلى بها الأحفاد. النص المسرحي الذي يتألف من خمسة فصول وتتعدد فيه مشاهد كل فصل حسب التصاعد الدرامي للنص المسرحي ابتداء من زعيم القبيلة الروحي ومجلس حكمائها الذين يديرون حياتها التقليدية للقبيلة وسط الغابة الاستوائية إلى دعاة التحول والتغيير. المسرحية من حيث الفكرة ليست جديدة لأنها فكرة الصراع بين القديم والجديد وزحف الصناعات على حساب الطبيعة ونظافة البيئة، صراع بين الأجيال التي تعيش على الموروث الثقافي، والأجيال التي تتطلع إلى عبور هذا الموروث وتغييره. هذا الصراع في النص يدور بين شاب طموح لزعامة القبيلة بطريقة جديدة وبأساليب حياتية جديدة، الشاب الذي هو ابن أخي زعيم القبيلة والذي يأتي موفدا من طرف الحكومة من العاصمة حيث كان يدرس، يحل في القبيلة ويشرع في محاولة إقناع زعيمها ومجلس حكمائها بمشروع الحكومة وما سيحققه من خير على أفراد القبيلة من شق الطرق وبناء المصحة والمدرسة وتوفير فرص العمل وهذا في إنجاز مشروع مصنع لقطع الأخشاب. يبدأ الصراع الحضاري والجدل الثقافي بين القديم والحديث من خلال هذا النص، حيث ان الكثير من الشباب يتطلعون إلى المستقبل، بينما الشيوخ وعلى رأسهم الزعيم يتشبثون بالماضي بالزعامة بالتقاليد، بالسلطة الروحية، بالغابة التي هي روح الأجداد، بل نبض الحياة وبلسم الأدواء. يتحدث محمد بو طاغان عن صاحب النص "ماكسيم نديفيتا" بأنه أديب، شاعر، قاص، رجل سينما ومسرح، كتب كثيرا من المجموعات الشعرية ومن ورائها هذا النص المسرحي الذي أعطى دفقا للثقافة الإفريقية، حيث نكتشف في روايته هذه "الأغاد الحالمة"جانبا عقائديا صوفيا، ومما هزنا لترجمة هذه الرواية النقاء والصفاء والشفافية في الإنسان البدائي الذي يعيش يومه وهو يتكئ على أسرار الغاية، على أرواح تسكن الأدغال. النص يضيف مترجمه أنه يتحدث في الإفريقي والعالم، صراع الروح الإفريقية بين القديم والجديد، بين مشاريع الغرب المهيمنة وبين القيم النفسية والأخلاقية التي لم يستطع المجتمع الإفريقي التخلص منها. أما النص من حيث اللغة التي اعتمدها المترجم فهي لغة عادية بسيطة فيها كثير من الشاعرية والمشاهد الصوفية ليس بمفهومها الإسلامي، بل بمفهومها الإفريقي الوثني، لغة المسرحية التي هذا الداخل في هذا الإنسان وما يتعامل في خلجاته من نزاعات وتشبث بهذا الصفاء وهذه الرغبة في التجديد. يقول المترجم لغة المسرحية لغة جميلة فيها مشاهد روحية وصفية لرقصات التام تام. وفي الأخير قال بو طاغان حاولت أن أكون أمينا لنقل النص روحا وشكلا إلى العربية ومقاربة أجواء النص ولغته ورموزه الإبداعية.