تتحدث الإحصائيات عن تزايد مضطرد سنويا في عدد المصابين بعجز كلوي، مقابل عجز المنظومة الصحية عن توفير تكفل نوعي بهؤلاء، إذ يسجل ذوو الاختصاص سنويا معدل إصابة بأمراض الكلى ومنها الفشل الكلوي المزمن يصل إلى حوالي 6 آلاف حالة إصابة ثابتة سنويا، في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى احتمال إصابة ما بين 5 و 6 ملايين جزائري بأمراض الكلى دون علمهم. وعلى المستوى العالمي فمن المحتمل إصابة حوالي 35 مليون ساكن بالمعمورة في آفاق 2015، ليضاف هذا المرض المزمن إلى قائمة الأمراض المزمنة الطويلة كارتفاع الضغط الشرياني والسكري وأمراض اقلب.. الخ... تفتقر المنظومة الصحية بالوطن حسب ما أشار إليه الدكتور عبد الحميد أبركان وزير سابق للصحة، الى سجل وطني للكلى على غرار بقية الأمراض الثقيلة، وهو ما يتسبب في تدني خدمات التكفل بعاجزي الكلى عموما. مذكرا ان أولى حصص الغسيل الدموي بالجزائر تعود الى سنة 1977 بقسنطينة، في وقت بدأت عملية الزرع في 1986، ونجحت هذه العملية في السنوات اللاحقة ولكنها تراجعت كثيرا خلال التسعينيات وتواصلت في التراجع الى غاية 2002 مع إقرار الزرع الكلوي من الموتى. وهو الملف الذي أسال الكثير من الحبر. تراجع متواصل بعد العديد من النجاحات تم تحقيق 6 عمليات زرع من الجثث بقسنطينة في سنة واحدة، ولكن هذه العملية تراجعت كليا، ويتساءل الدكتور عن السبب وراء هذا الفتور بعد الارتقاء، ليجيب بعده بكثرة العراقيل غير المحفزة تماما ومنها انعدام سجل الكلى الوطني كما ذكرنا، ما يجعل الآلاف من عاجزي الكلى ينتظرون السنة تلو الأخرى لإيجاد متبرع حي تكون كليته مطابقة له،اذ ان الاختبارات الطبية للكثير من المصابين أظهرت عدم تماشي تحاليل افراد عائلته معه وبالتالي عدم تطابق الكلى بين المتبرع والمتلقي. كذلك عدم ارتقاء النظام الصحي بنفسه يجعله لا يحقق انجازات كثيرة، اذ ان توفر الجزائر على نسيج صناعي كاف وكفاءات طبية - جراحية عالية المستوى، يمكنه من تسيير كفء لملفات الصحة الثقيلة العالقة. كذلك فإن إقحام القطاع الخاص في التكفل بعاجزي الكلى يمكن من سد بعض الثغرات، غير ان تسرب الأطباء نحو هذا القطاع يعد مشكلة في حد ذاته رغم وجود قانون خاص يمنع تحويل الأطباء من القطاع العام نحو الخاص، خاصة الأساتذة رؤساء المصالح ولكنه غير مطبق! الى جانب هذا، فإن انعدام التنسيق بين المصالح المعنية بالتكفل بعاجزي الكلى، يرمي بثقله على نوعية التكفل بشكل عام. وأشار الدكتور أبركان الى أن الجزائر تسجل تأخرا كبيرا في هذا المجال لعدم وجود تشاور وتنسيق بين الجهات المعنية، إضافة إلى عراقيل عديدة منها ضعف النظامين الصحي والإعلامي على المستوى الوطني، وتطوير أنظمة تصفية الدم الذاتية التي أثبتت نجاعتها في الكثير من البلدان الأخرى. أما مشروع التبرع بالأعضاء من الموتى الذي طرحته وزارة الصحة في 2002، فلا يعرف بعد سبب تراجعه. ويؤكد الخبراء انه الحل الأمثل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأعضاء، خاصة وان المصابين بالفشل الكلوي في ازدياد مضطرد، بحيث تشير تقديرات الفدرالية الجزائرية لعاجزي الكلى، انه بحلول 2020 ستكون الحاجة الى إنشاء مركز للتصفية الدموية في كل حي. الأطفال مشكل آخر في الصحة يشير مختص طب الكلى والجراحون، إلى ان الأطفال عاجزي الكلى يعانون في صمت في ظل الانعدام التام للتكفل بهم، بل ان هؤلاء الأطفال يعانون مشاكل أخرى تترتب عن ارتباطهم بحصص تصفيات الدم الأسبوعية كالتسرب المدرسي أو الأمية، ناهيك عن عدم نموهم الجسمي بسبب عدم حقنهم بهرمون النمو. إلى ذلك، فإن مشاكل اجتماعية أخرى تزيد من تعقيد الأوضاع بالنظر الى تعب الأسرة المتواصل مع الابن المصاب بالقصور الكلوي، والمعاناة تبدأ بمجرد إخبار الطبيب الوالدين، بأن الابن لا بد له من الغسيل الدموي بسبب عجز كليتيه، اما الطفل المصاب، فإن ارتباطه الدائم بآلة الغسيل الدموي يراها في المجمل "جحيما" ويأمل حقا في حياة عادية تمكنه من اللعب والدراسة والنمو مثل أقرانه.. هكذا قال فاتح 16 سنة والمصاب منذ طفولته الأولى بعجز كلوي سبب له نقصا في النمو، اذ يظهر وكأنه ابن التاسعة من العمر. تحدث الفتى أمام الحاضرين في اليوم البرلماني حول علاجات مرض القصور الكلوي المنظم مؤخرا بالمجلس الشعبي الوطني، تحدث بحياء شديد مبتسما وهو يردد عبارة "أريد كلية تعيد إلي طفولتي حتى أعيش مثل البقية من أقراني".. كذلك تحدثت إلينا السيدة مقراني أم لثلاثة أبناء مصابين بعجز كلوي. قالت وهي تبدو في غاية التأثر لمرض فلذات أكبادها، انها اكتشفت إصابة ابنها البكر بفشل كلوي وهو ابن السابعة وبعد سنوات تبرعت له بكلية. اما ابنتها البالغة حاليا 26 سنة فقد بدأت حصص الغسيل الدموي في ال 15 من عمرها. تشير الأم الى ثقل هذه الحصص على أطفالها وعلى المرضى عموما، إضافة الى تأثيرها السلبي البالغ على نفسيتهم فأصغر أبنائها البالغ 18 سنة والذي بدأ قبيل سنة حصص الغسيل الدموي لا يتقبل هذا المرض إطلاقا وتؤكد الأم انه يسحب سحبا لمستشفى "بارني" لإجراء الغسيل 4 مرات أسبوعيا وهي الحصص التي تنهكه نفسيا وجسديا، اذ تمثل حصة الغسيل بالنسبة اليه "كابوسا" يريد الاستفاقة منه.. وتقول الأم ان أمر تلقيها خبر إصابة ابنها البكر بالعجز الكلوي وبعده ابنيها الآخرين "استنزفها" معنويا، بحيث خاضت أسابيع وشهور من الحرب النفسية وعدم تقبلها لواقع أبنائها ولكنها استعادت قوتها وثقتها في نفسها لتعلم أبناءها معنى الصبر في مواجهة مرضهم. وتدعو السيدة مقراني جميع الجهات المعنية إلى الإسراع في إعادة بعث مشروع التبرع من الموتى وحتى إعداد سجل وطني للكلى حتى يستفيد أبناؤها وغيرهم من عاجزي الكلى من عمليات للزرع توفر عليهم تعب وعذاب آلات الغسيل الدموي... جدير بالإشارة، ان فدرالية عاجزي الكلى أحصت العام الماضي 100 طفل مصاب بقصور كلوي في 3 مراكز وطنية فقط خضعت للإحصاء، وهي مراكز قسنطينة، الجزائر ووهران. موضحة ل"المساء" على هامش أشغال اليوم البرلماني ان عددهم أكبر بكثير لكون هذه الفئة تزاول حصص التصفية الدموية بمراكز مختلطة، أي غير خاصة بالأطفال مثل المراكز المذكورة، لذلك فإن عملية إحصائهم تتعذر.