الأصل أن الشخص هو الذي يختار حرفة ما تعجبه فيتعلمها ويبدع فيها، إلا أن ما حدث مع الحرفي رشيد شافع وهو أقدم حرفي في صناعة الآلات الموسيقية، هو أن الحرفة هي التي اختارته، لأنه لم يكن يحبها ولكنه بعد أن احتك بها وتعلم تقنياتها وأسرارها أدرك أنها عندما اختارته كانت تعرف أنه سيبدع فيها، ويتحول من خلالها إلى مرجع لكل فنان يبحث عن اللحن الصحيح والأصيل الخالي من العيوب، "المساء" التقته وأجرت معه هذا الحوار. - بداية سيد شافع قلت إن الهواية هي التي اختارتك كيف ذلك؟ * أذكر أن أخواي كانا يملكان ورشة لصناعة الآلات الموسيقية عام 1953، حينها كان عمري 14 سنة وكنت أدرس وألقي نظرة على ما يقومان بإنجازه، ولم يكن لدي أي ميول لتعلم صنع الآلة الموسيقية، وأذكر أنه بعد اندلاع الثورة توقفا عن صنع هذه الآلات وحولا حرفتهما لصنع الأثاث المنزلي، ولكن بعد الاستقلال عمت الفرحة شوارع العاصمة وكانت الحاجة ملحة لإنجاز آلات موسيقية للتعبير عن الفرحة، في تلك الأثناء وجدت نفسي أتعلم هذه الحرفة من غير رغبة، كونها حرفة صعبة وتتطلب ذكاء وصبرا كبيرين، كما تتطلب دقة لا متناهية، لذا أقول لم أختر هذه الحرفة وإنما هي من اختارتني، واليوم لدي خبرة 47 سنة، وتحول ذلك الكره إلى عشق وحب كبير لهذه الآلات التي أصنعها بكل ابداع. - تتحدث عن الآلات الموسيقية، ماهي بالتحديد الآلات التي تصنعها؟ * أصنع بالتحديد الآلات الموسيقية الوترية، مثل الموندول والقيثارة المندول والبونجو والموندولين والعود، وآلة الموندولين بقبضتين، وأجمع بين آلة الموندول والقيثارة في آلة واحدة، ولكل آلة من هذه الآلات خصوصياتها وطريقة إعدادها التي تختلف عن الأخرى، كيف لا ولكل نوع ميزته سواء من حيث الشكل أو اللحن. - ماهي المادة الأولية التي تعتمد عليها لصنع هذه الآلات؟ * كل الأنواع التي ذكرتها تصنع باليد، وتعد المادة الأساسية في حرفتنا هي الخشب، ولكن من النوع الممتاز، وينبغي أن أعلمكم بأن خشب تزيين الآلة يختلف عن الخشب الذي تصنع به، فمثلا للتزيين نعتمد على خشب الأكاجو أو خشب الأبانوس، أما خشب الآلة فيكون إما من شجر الصنوبر أو التوت أو الأرز، وعلى العموم نعتمد على هذه الأنواع من الخشب كونها تتميز بالليونة والقسوة، كما أن للخشب أهمية كبيرة في إعطاء جمالية وقوة لصوت الآلة، وطبعا كل هذا يتطلب أن يكون الحرفي ذكيا ودقيقا في الاختيار حتى يكون عمله متقنا وصحيحا.
قروابي، عمر الزاهي وشاعو من زبائني
- من هم الفنانون الذين يستخدمون آلاتك الوترية؟ * لشدة الإتقان والدقة التي تتميز بها آلاتي لم أكلف نفسي عناء البحث عن زبون، لأن الزبائن من الفنانين بمجرد أن يشاهدوا إحدى آلاتي عند فنان ما يسارعون للبحث عني حتى أعد لهم آلة تميزهم عن غيرهم، فمثلا الفنان تاكفاريناس جمعت له بين آلتين وتريتين بناء على طلبه، وقد ذهل كل من رآها، والفنان مراد جعفري رغب في أن تحمل آلته اسمه الخاص فنقشت له الأحرف الأولى اسمه، أما ?روابي فجمعت له بين القيثارة والمندول، وغيرهم كثيرون مثل عمر الزاهي والفنان القدير شاعوا ومعطوب الوناس رحمه الله وغيرهم كثيرون. - ما رأيك في الآلات الوترية التي تباع اليوم؟ * يكفي أن أقول إنها مليئة بالعيوب، فبنظرة واحدة لآلة يمكنني استخراج تلك العيوب التي لا يمكن لغير الحرفي أو الفنان معرفتها، فلا شيء يضاهي حرفة اليد، وأروي لكم قصة وقعت لي، حيث رغبت في الاطلاع على ما يبدعه السوريون في مجال الآلة الوترية، فاقتنيت آلة وفككتها حتى أطلع عليها، فوجدتها عبارة عن مجموعة من الأخطاء، وأذكر أيضا أنه في فرنسا أخذ بعض الحرفيين آلتي الوترية وفككوها للبحث عن السر وراء إتقانها وجمال ألحانها، وبعد أن أعادوا تركيبها لم يحصلوا على نفس اللحن، وبالتالي صعب عليهم تقليدها، لذا أبلغكم ومن دون غرور أني أملك زبائن من خارج الوطن، من كنداانجلتراوفرنسا، والسر هو الجودة والإتقان النابع من حب الحرفة. - كيف تعرف عيوب الآلة الوترية؟ * ببساطة أستخرج عيوبها بالنظر إليها، فمن خلال مظهرها الخارجي يتكون لدي الانطباع الأول حولها، بعدها أتيقن من نظرتي من خلال مخارج النوتات الموسيقة، فهي الحكم الفاصل، فالحرفي في الآلة الموسيقية ينبغي أن يكون فنانا أيضا. - هل هناك إقبال على تعلم هذه الحرفة من الشباب؟ * شباب اليوم لا يملكون الصبر المطلوب، كما أن الآلة قد تعدها وعند تجربتها لا تحصل على اللحن المطلوب، فهذا يعني أنه ينبغي إعادة صنعها، لذا أقول إنها حرفة صعبة ودقيقة وتتطلب صبرا وذكاء كبيرين، وربما هو السبب الذي جعل الإقبال على تعلمها شحيحا، وعني شخصيا أجتهد لتعليمها لابني على الأقل لحمايتها من الاندثار. - ما الذي أضافته هذه الحرفة لعمي رشيد؟ * جعلتني محبوبا بين الناس ومشهورا بين الفنانين، كيف لا والعمل المتقن هو الذي يتحدث عن صاحبه، ويكفيني أني أحظى باحترام وثقة زبائني.