الحرفي الحقيقي هو ذلك الذي إذا نظرت إلى يديه تجدها تحكي قصة عشقها للحرفة على اختلاف أنواعها... فأن تكون حرفيا وتنجح في الحرفة ليس بالأمر الهين أو السهل... هو حديث عمي "سعيد عباشي" حرفي في صناعة النحاس والحائز على الجائزة الأولى على المستوى الولائي بصناعة مائدة عربية يدوية أذهلت لشدة إتقانها ودقة الزخرفة المنقوشة عليها كل من رآها. أجرت لكم "المساء" معه هذا الحوار. يمتهن العديد من الحرفيين صناعة النحاس فما الذي يميز عمي سعيد ؟ حقيقة تعرف حرفة النحاس انتشارا واسعا في بلادنا ويمارسها الكثير من الحرفين ولكن هناك اختلاف بين ما ينجزه حرفي وحرفي آخر، فالحرفي الذكي هو ذلك الذي يتعلم أصول الحرفة عن حب وقناعة بعدها يبدع فيها بحيث لا يمكن لأي حرفي آخر أن يقلد عمله لأنه ناتج عن مخيلته التي تبدع أفكارا لا نجدها في مكان آخر، وأنا شخصيا أعتمد على خيالي الواسع في انجاز التصاميم التي انحتها على النحاس واعتمد اعتمادا كليا على يدي ويكفي فقط أن تلقوا نظرة عليها لتأكد مما أقوله وعلى العموم في عملي أميل إلى انجاز النحاس المثقب الذي أتميز به وأوقع كل أعمالي بعد الانتهاء من إعدادها. امتهنت حرفة صناعة النحاس مدة 35 سنة، ماهي أهم الأعمال التي أنجزتها ؟ أذكر أن أول الأعمال التي أنجزتها عندما بدأت أتعلم الحرفة حين كان عمري 14سنة هي صينية صغيرة وبعد أن أبدعت فيها قررت التخصص في صناعة الصينيات بأحجام وأشكال مختلفة، أما عن أهم الانجازات التي ظلت عالقة في ذاكرتي والتي ميزت أعمالي هي الدرع والمفتاح النحاسيين اللذين طلب مني صنعهما كهدية تقدم للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة فوزه بالانتخابات الرأسية، إلى جانب المائدة العربية التي أنجزتها مؤخرا والتي حازت على الجائزة الأولى في إحدى المعارض. ماذا عن الربح المادي هل حقيقة الحرفة تقي صاحبها من الفقر ؟ أنا من مشجعي هذه المقولة ومن قالها كان على حق فعلى الرغم من أن هذه الحرفة تتطلب أدوات جد بسيطة عبارة عن قطعة نحاس ومقص ومدور ومسطرة إلى جانب الخيال الذي يلهم الحرفي الشكل المطلوب انجازه والكثير من الصبر لاسيما وان الأمر يتطلب دقة فإن الشكل النهائي للشيء المنجز سواء كان صينية أوبراد شاي أوعاكس ضوء أوثرية يباع بأثمان باهظة ويمكن أن يعيش الحرفي حياة مريحة مما يجنيه من حرفته، ولكن بالمقابل ينبغي أن يكون هناك إقبال من خلال تقريب الناس من هذه الحرف عن طريق الإكثار من المعارض إلى جانب الاعتماد على الإعلام لتعريف الجمهور بما تزخر به الجزائر من تنوع حرفي. قلت إن الشباب يرغب في تعلم هذه الحرفة ماذا عن الفتيات ؟ في الحقيقة حرفة النحاس هي حرفة رجالية مائة بالمائة لأنها تتطلب جهدا عضليا كبيرا سواء فيما يتعلق بتقطيع النحاس أونقش الرسوم عن طريق الضغط بالأصابع عليه، ولكن ليس هناك أبدا ما يمنع تعلم الفتاة لهذه الحرفة، ولعلمكم ان هنالك عددا لا بأس به من الفتيات قصدن ورشتي وطلبن مني أن أعلمهن هذه الصنعة، وأؤكد لكم انه يمكن للفتاة أن تبدع في هذه الحرفة وقد تأكد لي انه لم يعد هنالك ما يسمى بحرفة رجالية وحرفة نسائية لأن المرأة مثل الرجل ترغب في تعلم أي شيء ومادام الإصرار والرغبة موجودين فلا شيء يمنع من النجاح في أي عمل كان. هل يمكن لك أن تتخلى يوما عن هذه الحرفة ؟ أعرف حرفة النحاس قبل أن أعرف زوجتي وأولادي تربيت في الورشة مع النحاس لا أفكر مطلقا في التخلي عنها رغم المتاعب التي أعانيها وسأظل أدافع عنها فإن رأيت حرفيا مثلا في النحاس يسيء للحرفة بإعداد أعمال غير متقنة أقدم له الملاحظة كيف لا وهي حرفة أعشقها ولا أرضى بأي بديل عنها وصدق من قال "يفنى مال الجدين وتبقى حرفة اليدين". ما الذي يتمناه عمي سعيد عباشي؟ أتمنى فقط أن تلتزم الجهات المعنية بما وعدتنا به بحيث تدعمنا ماديا وتترك الباقي علينا فنحن حراس الهوية نشأنا على حب الحرفة ولن نتخلى عنها مطلقا حتى في ظل غياب الدعم.