بالرغم من ان منتخبنا الوطني لم يحسم أمر التأشيرة، وبالرغم من ان المنتخب المصري قد دفعه للعب مباراة الفصل بعد اربعة ايام بالسودان الشقيق، فإن حظوظنا في بلوغ المونديال، تبقى قائمة وربما تكون نسبتها اعلى، إذا قرأنا بتأني الظروف التي استعد فيها والمعاملة السيئة التي قوبل بها عند وصوله الى القاهرة، وكيف خاض مواجهة امس بتعداد نصفه كان يعاني من تبعيات الإصابات الخطيرة التي تعرضوا لها عند الهجوم على حافلتهم . ولا شك ان أي منتخب تعرض للبهدلة والإساءة والاعتداء بمثل تلك الوحشية، ما كان بإمكانه ان يلعب في محيط عدائي، لكن ومع ذلك فإن تعدادنا رفع التحدي ودفع بلاعبيه في مواجهة غير متكافئة من حيث اللياقة البدنية والاستعداد النفسي على وجه الخصوص، الى درجة ان نصف تعداده لعب بروؤس معصبة بل وان فيهم من كانت اصابته حديثة الخياطة، وكأني بهم في ميدان وغى، كيف لا وهم الذين خرجوا من مكيدة غادرة ومن حاجز مزيف، باضرار نفسية وجسدية لأن البلطجي سمير زاهر ارادها ان تكون معركة نفسية قبل ان تكون مواجهة ميدانية وبالتالي تسهيل مهمة شحاتة الذي اسعدته المكيدة ورفعت عنه حرج التكتيك النفسي، باعتباره كان هو الاخير في حاجة لمن ينقذ رأسه ويخرجه من عنق الزجاجة، ولو انه لم يحسن استغلال الفرصة، حين كان يظن ان ما تعرض له المنتخب الوطني على الطريق يكفي ليجعل منه ضحية او فريسة، وهنا يمكن القول ان "المعلم " اخطأ هو الآخر الحسابات لأنه اصطدم بإصرار اللاعبين الذين ضمدوا الجراح ورفضوا الاستسلام للهزيمة التي تحرجهم وتنال من كبريائهم من جهة وللجلاد الغادر المتمثل في عصابات زاهر وقطاع الطريق من جهة اخرى. إن خوض مباراة في مثل هذه الاهمية بتعداد مصاب في الجسد والمعنويات وفي ظل محيط معاد وتحت إجراءات امنية لا تتخذ إلا في حالات الحروب والازمات الكبرى من جهة وتحت ضغط اعلام شديد التحريض والشوفينية من جهة اخرى، لا شك انه التحدي الاكبر الذي لا يخوضه إلا ابناء الجزائر احفاد ابناء نوفمبر المجيد الذين واجهوا التحدي بما هو اكبر واثبتوا بأنهم رجال واقفون فعلا، لأنهم صراحة لم ينهزموا، بالرغم من النتيجة قد ارتسمت في نهاية المطاف لمن لعب وسط جماهيره المشحونة حتى النخاع والذين ضربونا في الظهر غدرا ورفضوا استقبالنا بالورود حين استبدلوها بالطوب والحجارة وتجردوا من كرم الضيافة ولم يعودوا الى جادة الصواب إلا تحت سوط الاتحادية الدولية لكرة القدم التي خيرتهم بين التعقل او نقل المباراة الى خارج مصر . إن المنتخب الوطني الذي خاض المواجهة بكبرياء وإرادة وجازف، بأحسن لاعبيه في مباراة اعتبرها الخصم معركة موت او حياة، وكانت ترى فينا بعض فضائياته على اننا لا نستحق المكانة التي بلغناها. اظن انه فعلا لا يستحق التقدير والتحية فحسب، بقدر ما يجب تمجيده ورفع لاعبيه على الاكتاف وتدوين بطولاته بأحرف من ذهب. كما ان منتخبنا الذي كان له شرف تحقيق اول اهدافه وهو التأهل الى البطولة الافريقية للامم يكون ايضا ومن خلال التنافس على تأشيرة المونديال، قد تجاوز سقف تطلعاته واهدافه ومن هنا يجب علينا ان نكون اكثر واقعية في إبداء احكامنا على نتيجة هذه المباراة، وليس من حقنا القول أو الاعتقاد بأن المدرب سعدان أو تعداده قد يكونان اخطأ تقدير أو قراءة الموقف أو انهما اغمضا العين أو استسلما للنوم في المنطقة في وقت لم يعلن فيه الحكم عن النهاية. إن ما حدث امس بالقاهرة وفي الوقت بذل الضائع هو في الواقع من قواعد اللعبة، لكن وفي كل الحالات يمكن القول ان سوء الطالع كان هذه المرة حاضرا كما حضر في لقاء رواندا ذهابا وايابا، وعلى الفراعنة ان يرفعوا اياديهم للسماء التي كانت الى جانب الحظ اكثر رأفة بهم فمنحتهم فوزا استدراكيا لكن دون ان تجعل منهم منتخبا فرعونيا بالمعنى الذي حاولوا ارهابنا به من خلال الفضائيات التي ينشط بها المتطفل الغندور أو يهرج فيها مصطفى عبده أو تلك التي توظف حسناوات الاغراء والتبرج وقليلات الحياء ممن كن يتهجمن على الجزائر بتبجح بكثير من الاحتقار وكأنهن يواجهن منتخبا قادما من وراء حدود سيناء . المهم لقد لعب المنتخب الوطني المعصوب الرؤوس مباراة في قلب معركة ولم ينهزم بالثلاثية التي توعدوه بها هناك، ولم يركع بل انه ودع القاهرة وسط هتافات انصاره الذين تحملوا مشاق السفر واستفزاز الخصم وعداء المحيط، وكان التجاوب كبيرا لأن حماس هذا الجمهور كان زاده وان وقوف السلطات السياسية الى جانبه وفي قلب هذا الاعصار القاهري، ليؤكد للجميع ان بلوغ المونديال لن تثنيه عنه هذه النتيجة، وان معركة السودان أو الخرطوم ما هي إلا حلقة جديدة سيتجدد معها الامل، باعتباره سيلعب في ظروف مغايرة وبإرادة الفريق الذي لم ينهزم ولكنه اجل الحسم.