حدث ما كان متوقعا من العارفين بالاستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط وبالتحديد في فلسطين السليبة، فمنذ مؤتمر البحث عن وطن لليهود في مدينة "بال" حددت الأهداف والوسائل الكفيلة بتحقيقها وإقامة الدولة اليهودية العنصرية على أرض فلسطين كل فلسطين. وكانت الوعود والمماطلات السلاح الفعال لمرواغة المنخدعين في النوايا الصهيونية ومن يقف وراء هذا السرطان الذي غرس في خاصرة الوطن العربي، وها هو أكثر من نصف قرن من التسويف والحروب والمؤتمرات واللوائح الأممية لم يحقق فيه العرب أي مكسب بل تنازلوا عن الحقوق حتى لم يعد لهم ما يتنازلون عنه، وبلغت سياسة الابتزاز الإسرائيلي بعد هذا إلى حمل العرب عامة والشعب الفلسطيني بصفة أخص الى مباشرة سلسلة من الاعترافات وعلى رأسها يهودية الدولة الإسرائيلية لمباشرة أي مفاوضات حول السلام الموؤود منذ البداية. لقد جاءت فكرة إقامة علاقات سلام عربية منفردة مع إسرائيل لتضعف القضية الفلسطينية وإخراجها من طابعها العربي وحصرها في الشعب الفلسطيني المحاصر والأعزل إسرائيليا وإقليميا، كما هو حال غزة اليوم. إن كسر شوكة إسرائيل وزعزعة استراتيجيتها الاستيطانية لا يتم إلا إذا عادت القضية إلى بعدها العربي، وأصبحت في حساب الدول العربية منفردة أو مجتمعة خطرا على الأمن القومي حاضرا ومستقبلا، وخارج هذه القراءة تبقى المنطقة العربية فريسة سهلة للمخططات الإسرائيلية وحلفائها الذين يسيّرون شؤون بلدانهم الداخلية باختلاق أعداء خارجيين وهميين ثمّ يباشرون مخططاتهم باختلاق الأسباب كما هو الحال في غزو العراق.