استرجع منتزه ابن باديس (منتزه ليتونغ سابقا)، بمدينة وهران، مكانته كنقطة التقاء العائلات الوهرانية، ليعود من جديد الى محبي الطبيعة والسكينة بعد فترة من الإهمال والنسيان، مما حال دون الاستمتاع بجماليته واستغلال ما يزخر به من كنوز طبيعية وبيئية لا تقدر بثمن. ويستقطب هذا المنتزه الذي يشغل مساحة تقدر بستة هكتارات والمصنف سنة 1952 كمعلم طبيعي، عشرات العائلات القادمة يوميا من كل أرجاء الولاية، التي "اكتسحت" المكان مرة أخرى بعد طول غياب طلبا للراحة والترفيه والهدوء، وسط عدة أصناف من الأشجار والأزهار هروبا من ضوضاء المدينة وتلوثها. ولم تعد هذه المساحة الخضراء، التي أنشئت عام 1836 وتعتبر من أجمل المناطق الطبيعية والسياحية التي تتوفر عليها عاصمة الغرب الجزائري، "حكرا" على سكان حي سيدي الهواري والأحياء الشعبية المجاورة، بل تقصدها العديد من الأسر بعد أن حظيت بالتغطية الأمنية اللازمة مما حسن من وضعيتها وزاد في جاذبيتها. ويقول أحد الموطنين قدم من منطقة الشهايرية بدائرة بطيوة (أقصى شرق الولاية)، أن هذا المنتزه الذي اكتشفه عن طريق والده حيث كان يزوره أسبوعيا في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، "بمثابة رئة ينتفس منها سكان الأحياء المختنقة بالإسمنت المسلح والتي تفتقر الى غابات حضرية". والمتجول داخل هذا الفضاء المتميز بأشكاله الهندسية الفريدة من نوعها، يستطيع أن يمتع بصره بالعديد من المعالم الأثرية والتاريخية المحيطة به، وهي "قصر الباي" وكنيسة القديس لويس ومستشفى بودانس القديم وساحة الجمهورية، وكذا حصن سانتا كروز، إضافة الى الكثير من المشاهد الطبيعية الجذابة التي تصنعها زرقة البحر شمالا وجبل مرجاجو غربا، وهي معالم تفتح شهية السياح. كما أصبح هذا المنتزه الذي تدعم مؤخرا ببعض المعدات المسخرة لراحة الزوار، كالطاولات والكراسي، يشكل فضاء رحبا لممارسة بعض الأنشطة الثقافية المنظمة من قبل الجمعيات، التي تنشط بهذا الحي لإعادة إنعاش الحركة الثقافية بهذا المرفق، حيث كان في زمن غير بعيد مصدر إلهام العديد من المثقفين والسياح الذين انبهروا بجماله وبهندسته المعمارية، على حد تعبير أحد أعضاء جمعية "التكاتف الحضري" بسيدي الهواري التي تسعى الى زرع ثقافة حب الطبيعة لدى سكان الحي. وبعد أن كان هذا الفضاء مرتعا للمتشردين والمدمنين، تحول مؤخرا الى مكان للإنتاج الفكري والتحاور والتثقيف بهدف استحداث أجواء تمتزج فيها رائحة الخضرة مع الكلمات الرقيقة وعبق التاريخ. ويطمح القطاع الحضري لسيدي الهواري، إلى استقبال الرسامين المتجولين الذين ينشطون حاليا بمحاذاة سوق مشيلي بوسط مدينة وهران، بالمنتزه، حتى يتسنى لهم إبراز مواهبهم في الفن التشكيلي والتعبير عن مكنوناتهم في وسط طبيعي يكون منبعا لاستلهاماتهم، إلى جانب السعي الى استحداث مساحة للعب خاصة بالأطفال. من جهة أخرى، أصبح هذا المنتزه يستقطب العديد من هواة الرياضة سواء للعدو أو ممارسة بعض التمارين الرياضية الخفيفة، لذا يطمح القطاع الحضري إلى تجسيد فكرة استحداث "مضمار رياضي" لفائدة هذا الصنف من الزوار الراغبين في استغلال الهواء النقي الذي توفره هذه الحديقة.