يقول أحد الفلاسفة "لولا الموسيقى لكانت الحياة ضربا من العبث" ... كما توصلت دراسة بريطانية مؤخرا إلى التأكيد على أن العزف على آلة موسيقية مفيد للطفل، لأنه يهذب سلوكه ويقوي ذاكرته ويرفع من مستوى الذكاء لديه.. هذه المعطيات جعلتنا نتساءل عن الطفل الجزائري وعلاقته بالموسيقى، ونبحث عن نوع الأغاني التي يحبها وهل هناك متابعة من الأولياء. تبرز أهمية التربية الموسيقية من خلال دورها في تطوير قدرات الطفل الحسية والحركية والوجدانية، إذ تساهم الموسيقى بشكل فعال في بناء شخصية المتعلم عبر تحرير طاقاته، لا سيما وأن احتكاك الطفل بالعالم الخارجي يكون من خلال استعماله لحاسة السمع، ونظرا لأهمية الموسيقى كمادة تربوية اقتربت "المساء" في جولتها الاستطلاعية من بعض أطفال المدارس لمعرفة ما الذي تعنيه لهم الموسيقى وما النوع الغنائي الذي يحبون الاستماع إليه؟ فحدثتنا الطفلة »نوال قرابة« قائلة "أحب كثيرا مادة التربية الموسيقية إذ ندرسها مرة واحدة في الأسبوع، أشعر براحة كبيرة عند دراستها لأنها تنسيني باقي المواد الأخرى وإن لم أكن راضية تماما على هذه المادة، لأننا لا نملك قاعة خاصة بالموسيقى، كما أننا ندرس السولفاج فقط ونتعرف على الآلات الموسيقية من دون أن نلمسها أو نتعلم العزف عليها، لأننا لا نملك الآلات بالمؤسسات التربوية" وتعلق قائلة "قريبا سأنضم إلى مدرسة لتعليم الموسيقى بساحة الشهداء"، وعن اللون الغنائي الذي تميل إليه نوال أضافت "أحب كل الأغاني القبائلية والرياضية" أما الطفلة »نسرين مقداد« تشتكي من أن المدرسة لا تمكنهم من أخذ كفايتهم من هذه المادة المهمة، فساعة من الزمن غير كافية، إلى جانب غياب الآلة إذ تقول "أحب كثيرا الموسيقى ولكن دراستها بصورة نظرية فقط تجعلها مادة جامدة كغيرها من المواد الأخرى، فحبذا لو أننا نتمكن من تعلمها باستعمال الآلة" وعن اللون الغنائي الذي تميل إليه نسرين قالت إنها تحب أغاني الراي والجاز والأغنية الرياضية لأنها قريبة من القلب. بينما شغف أمال دحمان بالموسيقى جعلها تبحث عن معهد يمكنها من تعلم لغة الروح خارج أوقات الدراسة، وحتى تتمكن من العزف على آلة البيانو المحببة لديها. وإن كانت هذه شريحة من الأطفال الذين يحبون الموسيقى والغناء فإن فئة أخرى منهم يعتبرون هذه المادة مملة، لأنها كغيرها من المواد، وأكثر من هذا يعتبرون الاستماع للموسيقى حراما، فهذا الطفل بن أحمد ماكين البالغ من العمر 12 سنة يحدثنا قائلا "أحب الاستماع للأغاني الرياضية فقط والموسيقى عموما لا أحبها لأنها حرام". الأولياء بين التشجيع والتحريم وإذا كانت رغبة بعض الأطفال كبيرة في تعلم الموسيقى من خلال دراستها والاستماع لمختلف الألوان الغنائية التي تناسب سنهم وتتجاوزه في بعض الأحيان، ارتأينا معرفة رأي الأولياء في الموضوع، فحدثتنا السيدة كريمة "ص" من الأبيار قائلة "لا مانع لدي في أن يتعلم أولادي الموسيقى وأن يستمعوا إليها، ولكن أقصد الموسيقى التربوية المهذبة، أما الأغاني التي تروج اليوم خاصة أغاني الراي التي يحبها الذكور والإناث على حد السواء فأنا ضد هذا، لذا أرى أن الحل الأفضل لحمايتهم من الاستماع إلى أغان رديئة هو إلحاقهم ببعض المعاهد ليتعلموا تذوق الموسيقى الراقية والمدروسة "بينما فاجأتنا السيدة أمال.ن قائلة "يقشعر بدني عندما أسمع ابني البالغ من العمر 10 سنوات وهو يردد بعض الكلمات السوقية من أغاني الراي، فاسمعه يقول حبيبي علاه خليتني نقاسي... أو عبارة فراق حبيبي.. وغيرها من الكلمات التي ينطق بها من دون إدراك لمعناها، لذا أنا شخصيا أحاول بقدر الإمكان إقناع أبنائي بأن الموسيقى والأغاني عموما حرام، وأن الله يعاقب من يغني أو يستمع إلى مثل هذه الأغاني حتى يتجنبوها، وعلى كل البديل موجود في الأناشيد الدينية، فالموسيقى ليست كل شيء". من جهتها السيدة أمينة.ك موظفة وأم لأربع بنات تقول "من الصعب علينا في وقتنا هذا منع أبنائنا من الاستماع إلى الأغاني، لأنها تحيط بنا في كل مكان، فابنتي مثلا لا تدرس إلا على أنغام الموسيقى، خاصة الأغاني العاصمية والرياضية التي حفظتها كلها جراء كثرة سماعها، وعموما دوري يقتصر على مراقبتها ونصحها فقط". المعاهد الموسيقية تهذيب لأذن الطفل تعد المعاهد والمدارس الموسيقية ودور الشباب المنتشرة بمختلف ربوع الوطن الوسيلة الوحيدة لحماية الطفل من الاستماع إلى الأغاني العشوائية التي تروج اليوم، وذلك حسب شهادة بعض الأساتذة العاملين بهذه المؤسسات، حيث حدثنا مصدر موثوق بإحدى الأقسام التابعة لمؤسسة فنون وثقافة بالعاصمة قائلا "هناك شغف كبير لدى الأطفال في طلب تعلم الموسيقى، حيث نستقبل في كل سنة أعدادا كبيرة من طلبات التسجيل، إذ المفروض أن نستقبل الأطفال من سبع سنوات إلى 15 سنة، ولكننا تفاجأنا ببعض الأولياء الذين يرغبون في إدخال أبنائهم في سن الست سنوات"، وتضيف المتحدثة بأن درجة استيعاب الطفل تكون كبيرة، إذ ندرسهم السولفاج باعتبارها لغة الموسيقى، بعدها نعلمهم كيفية العزف على الآلة ونحاول التقرب منهم لمعرفة الآلة المحببة لديهم وتعلق "من خلال تجربتنا نلاحظ أن الأطفال يحبون كثيرا آلة البيانو والاندلسي، وفي رأيي الموسيقى هي غذاء للروح، وتعليمها للأطفال غاية في الأهمية، فمن جهة تمكنه من التميز بين مختلف الألوان الموسيقية التي ينبغي له الاستماع إليها وما ينبغي عليه تجنبه، كما أنها تهذب سلوك الأطفال وترى أن الأطفال الذين يتعلمون الموسيقى ناجحون في دراستهم، وهذا دليل على أن الموسيقى التربوية تساعد على تنمية ذكاء الطفل".