تستمر حوادث المرور ببلادنا في حصد آلاف الضحايا من القتلى والجرحى، كما أنها تخلف يوميا عشرات المعوقين واليتامى، وحسب ما تؤكده المعاينات والتحقيقات الميدانية لمصالح الدرك والأمن الوطنيين، فإن العامل البشري يظل المتسبب الأول والأخير في هذه الحوادث، وقد عملت الجزائر على تطويق مسببات هذه الظاهرة التي تخلف سنويا أكثر من 4 آلاف ضحية، وتم في ذلك اقتراح الحلول التي من شأنها تهيئة المجال لضمان الأمن والسلامة المرورية، هذه الأخيرة التي لا تقوم لها قائمة ومثلما هو قائم في معظم الدول، إلا إذا طال الأمر جيب المخالف، وهذا حتى لا يتجرأ عندها على نسيان حزام الأمن والتمادى في ارتكاب المخالفات... وهذه التدابير مرتبطة بأبسط المخالفات التي تضمنها قانون المرور الجديد، والتي منها على سبيل المثال، التي تلزم المخالفين بدفع غرامات جزافية تصل إلى 4 آلاف دينار عند عدم احترام مرور الراجلين في ممر الأمان وعدم استعمال حزام الأمان، وتلزم الراجلين عند عدم استعمالهم الممرات المحمية بدفع غرامة تتراوح بين 2000 و2500 دينار، فضلا عن عقوبات أخرى قد يراها صاحب المخالفة بسيطة، لكنها تكلفه السحب النهائي لرخصة السياقة، وستستحيل في إطار مشروع السجل الوطني للحالة المدنية الذي انطلقت مصالح الداخلية في إرسائه ويكون جاهزا في 2013، إمكانية استرداده أو إصدار آخر مماثلا له. تستمر حوادث المرور في الجزائر في إزهاق أرواح العديد من الضحايا في المدن والأرياف وعبر الطرق الحضرية والريفية والطرق السريعة والسيارة، لأسباب معلومة ومتباينة، وتحولت هذه الظاهرة التي تخلف يوميا عددا من القتلى والجرحى إلى هاجس حقيقي ومعضلة إنسانية قد تعجز أردع القوانين على تغيير مسار توجهها والحد من تطورها وتفاقمها حتى لا نقول القضاء عليها. وترجع المصالح المختصة، منها مصالح الأمن والدرك الوطنيين، واستنادا إلى ما تقف عليه يوميا، الأسباب التي تقف وراء هذه الحوادث إلى عامل واحد مشترك، هو العامل البشري، ومثلما يلحق السائق بنفسه الضرر يلحق كذلك بغيره الأضرار من خلال التجاوزات الخطيرة التي يرتكبها خلال ممارسته السياقة وعدم احترامه قواعد المرور، وهو يتحمل بذلك مسؤولية وتبعات ما يقع عليه وعلى غيره من أضرار، خاصة إذا علمنا أن هذه الحوادث تخلف يتامى ومعاقين وعاطلين عن العمل.
95 بالمائة من حوادث المرور سببها العامل البشري وتتغير الأرقام والإحصائيات المرتبطة بهذا النوع من الحوادث والضحايا الذين تخلفهم سنويا، ويأتي هذا التغير بشكل متنام لا يعرف التراجع عن حده الأقصى، حيث أن المنحى المحدد للظاهرة بات يأخذ شكلا تصاعديا، وكل ما هو ثابت فيه هو وقوع المسؤولية على العامل البشري، الذي يظل في صدراة الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، التي حدد نسبتها المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق ب 95 بالمائة. وبسبب السائقين، حصدت حوادث المرور أرواح أكثر من 4 آلاف شخص خلال 2009 عبر التراب الوطني، مسجلة بذلك ارتفاعا فاق نسبة 3 بالمائة مقارنة بسنة 2008، وحسب إحصائيات مصالح الدرك الوطني، فإن التسعة الأشهر الأولى من السنة المنصرمة شهدت وقوع أكثر من 19 ألف حادث في المناطق الريفية، أودت بحياة 2947 شخص وجرح 34573 آخرين، مقابل 19310 حادث مسجل خلال نفس الفترة من 2008 أودت بحياة 2871 شخص وجرح 34446 آخرين. وتؤكد الدراسة التحليلية التي أعدتها المصالح المختصة على مستوى المديرية العامة للدرك الوطني، حول أهم الأسباب التي تقف وراء هذه الحوادث والمسجلة خلال الفترة المذكورة، أن العامل البشري يقف وراء هذه الحوادث، ويمثل عامل فقدان السائق السيطرة، نسبة 25.62 بالمائة والسرعة المفرطة نسبة 19.72 بالمائة والتجاوز الخطير ب 10.89 بالمائة، تليها لا مبالاة المارة بنسبة 8.46 بالمائة وعدم احترام مسافة الأمن بنسبة 6.26 بالمائة، يليها السير على اليسار ثم عدم احترام الإشارات وعدم احترام الأسبقية ثم تغيير الاتجاه دون إشارة. وتم على مستوى المناطق الحضرية واستنادا إلى إحصائيات مديرية الأمن الوطني خلال العشرة أشهر الأولى من 2009، تسجيل هلاك 659 شخص في 15532حادث مرور عبر التراب الوطني و367 قتيل خلال السداسي الأول من 2009 لوحدها، مقابل 368 قتيل خلال نفس الفترة من سنة 2008. وحددت كذلك هذه المصالح الأسباب الرئيسية التي كانت وراء مختلف هذه الحوادث في عدم احترام قواعد المرور من طرف السائقين بنسبة 94.53 بالمائة، تليها العوامل المرتبطة بالمركبة بنسبة 2.98 بالمائة، وأخيرا العوامل المرتبطة بالمحيط بنسبة 2.49 بالمائة. وتأتي هذه المعطيات الإحصائية المقلقة، رغم التدابير الوقائية والتحسيسية والردعية التي تم إرساؤها كحلول موضوعية، انطلاقا من الأسباب التي تم تطويقها والتي تقف بشكل مباشر وراء الخسائر البشرية التي يخلفها هذا النوع من الحوادث. فلضبط تصرفات السائق أثناء السياقة، جاء النص القانوني الصادر في جويلية 2009 المعدل والمتمم لذاك الصادر في 2001 الخاص بتنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها، بجملة صارمة من النصوص القانونية لردع المخالفين للأحكام التي يؤدي عدم الالتزام بتطبيقها إلى حوادث المرور، ومثلما خص القانون المذكور من خلال مواده، الجانب المرتبط بالتصرفات غير المسؤولة الصادرة عن سائقي العربات على اختلافها والراجلين ومؤطري نشاط التكوين في مجال السياقة، تم تدعيم هذا الجانب بإصدار تعليمات وزارية وقرارات مختلفة، آخرها ما يخص نشاط مدارس السياقة، على اعتبار أن هذه الأخيرة مسؤولة عن تخرج سائقين واعين ومسؤولين، وتم في هذا الإطار الإعلان عن إجراء جديد يمنع الممتحن في مدارس السياقة من مرافقة المترشح أثناء اجتياز امتحان المناورات وتحديد مدة شهر كامل بين كل امتحان وآخر، وأخرى تقر بتحديد مساحة مضمار المناورة الخاص بامتحانات الوزن الثقيل بين 50 مترا طولا و7 أمتار عرضا. وفي الجانب المرتبط بالمسؤولية التي تقع على العربة في حد ذاتها، والتي تصنف في المرتبة الثانية من حيث درجة المسؤولية في حوادث المرور، تم في 2003 إصدر قرارات هامة لضبط مستوى ونوعية الحظيرة الوطنية للسيارات، من خلال القرار الخاص بمنع استيراد العربات القديمة التي يقل سنها عن ثلاث سنوات، وتم في ذات السنة إصدار قرار آخر لا يقل أهمية يخص إخضاع العربات باختلاف أوزانها وأعمارها للمراقبة التقنية، وهي العملية التي تحولت إلى إجراء إجباري يعاقب عليه كل متخلف عنه ومخالف له إما بحجز العربة أو تعليق أو إلغاء رخصة السياقة نهائيا، وحتى السجن من شهر إلى ستة أشهر، وهذا حسب ما تضمنه قانون المرور الجديد الصادر أواخر 2009. وحسب المركز الوطني للمراقبة التقنية تم لحد الآن إخضاع أكثر من 10 ملايين عربة للمراقبة التقنية بمختلف ولايات الوطن، كما أصدرت وزارة النقل قرارا يخص منع العربات القديمة خاصة الحافلات التي يتراوح سنها بين 25 و30 سنة عن السير، ويتم العمل حاليا تحديد الإجراءات العملية لتفعيل الإجراء ميدانيا، ويدعم هذا الأخير القرار الذي أعلنت عنه وزارة التجارة في فيفري 2009 والخاص بمنع استيراد قطع غيار السيارات من غير الدول الأصلية لها وتلك التي لا تمتلك حق تصنيع العلامة، وهذا بهدف منع دخول قطع الغيار المقلدة وغير المطابقة إلى السوق الوطني ومن ثم تفادي الكوارث التي تحدثها على الطرقات. وحسب تقارير مصالح الأمن و المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرقات، فان المركبة تكون المتسبب الثاني في حوادث المرور في الجزائر بسبب قطع الغيار المغشوشة، وغالبا ما يجد السائق نفسه عاجزا عن التحكم في عربته لأسباب مختلفة منها عدم مطابقة أجهزة التوجيه والفرامل. وحسب إحصائيات التجارة الخارجية في الجانب المرتبط باستيراد قطع الغيار، فإن الجزائر تستورد سنويا ما قيمته 500 مليون دولار من قطع الغيار، ويتم خلال مختلف المعاينات ضبط قطع مغشوشة منها، وتم خلال 2008 لوحدها حسب مصالح الجمارك، ضبط 1300 طن من قطع الغيار المغشوشة بقيمة 6 ملايين دولار، ولوضع حد لمختلف المخالفات المرتبطة بهذا الجانب، سيتم إنشاء مخبر وطني لمراقبة وتحليل المعدات الصناعية المستوردة على اختلاف أنواعها ومنها قطع الغيار، وتم في نفس الإطار واعتبارا من السنة الماضية وضع دفتر شروط يحدد نشاط وكلاء السيارات لضبط هذا الجانب، وتوفير معدات في مستوى المعايير والمقاييس وقطع الطريق أمام المخالفين لأسس النشاط التجاري في هذا المجال.
معظم السائقين يجهلون مضمون قانون المرور الجديد تؤكد تصرفات السائقين اليومية من أصحاب العربات الصغيرة والحافلات وكيفية تعاملهم مع مقود العربة، غياب الوعي لديهم، وهو أمر يفسر مسألة ارتفاع عدد الحوادث، لكنه يغيب أي طرح من شأنه التشكيك في مدى نجاعة مختلف التدابير والإجراءات القانونية والتنظيمية المتخذة على مختلف المستويات، ويطرح بالمقابل مسألة مدى تطبيق هذه الإجراءات وكيفية تطبيقها في الميدان لتطويق مشكل يصنف الجزائر الآن في أولى المراتب العالمية من حيث حوادث المرور. ويرجع الخاص والعام تصرفات السائقين إلى عدم تمتع هؤلاء بالقدر الأدنى من المسؤولية، خاصة وأن الأمر مرتبط باقتراف جرائم في حق النفس وحق الغير، ويتجلى عدم الشعور بالمسؤولية في عدم اطلاع الكثيرين من أصحاب العربات على مضمون القانون الجديد والقواعد المتممة والمعدلة لكيفيات استعمال المسالك العمومية وضبط حركة المرور عبر الطرق، ويتأكد غياب الوعي هذا، من خلال تصريحات العديد من المواطنين ل " المساء "، الذين أكدوا لنا عدم درايتهم بما يحمله القانون الجديد، وهذا على الرغم من أن الأمر يهمهم بالدرجة الأولى، خاصة وأن مضمونه يتضمن إجمالا وبشكل مدقق تعديلات، صنفت فيها بعض السلوكات ضمن المخالفات مثلما هو قائم في الدول المتقدمة، والتي منها ما قد يصدم السائق وحتى الراجلين في حال ارتكابهم لها أمام أعين الأعوان المكلفين بالسهر على تطبيق القانون أو ما يسجله مقياس ودليل السرعة أو الجهاز الذي يسمح بالمراقبة البعيدة للسرعة المطبقة وأوقات السياقة والاستراحة والمسافة المقطوعة في وقت معين وهذا مثلما ينص عليه القانون الجديد. ونذكر أنه من بين المخالفات الجديدة لقواعد المرور، ما يلزم أصحابها بدفع غرامة مالية بين 2000 و4 آلاف دينار ويخص الأمر عدم وضع حزام الأمان والوقوف بدون ضرورة حتمية على شريط التوقف الاستعجالي للطريق السيار أو الطريق السريع والاستعمال اليدوي للهاتف النقال أو التصنت بكلتا اليدين بوضع خوذة التصنت الإذاعي والسمعي أثناء السياقة، ومخالفة الأحكام الخاصة بأولوية مرور الراجلين على مستوى الممرات المحمية، ونقل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات في الأماكن الأمامية للعربات، وتصاعد الأدخنة والغازات السامة وصدور الضجيج عند تجاوز المستويات المحددة، وعدم تزويد المركبات غير المزودة بالتجهيزات التي تسمح للسائق بأن يكون له مجال رؤية كاف ووضع شريط بلاستيكي أو أية مادة معتمة أخرى على زجاج المركبة، والأكثر من ذلك، فإن ذات القانون يعاقب الراجلين الذين لا يستعملون ممرات الأمان عند قطع الطريق من خلال دفع غرامة مالية تتراوح بين 2000 و2500 دينار. من جانب آخر، أكد السيد حسين أيت إبراهيم رئيس الاتحاد الوطني لسيارات الأجرة في تصريح ل "المساء"، بأن غياب مخطط النقل زاد من تعميق مشكل حوادث المرور وتمادي السائقين في ارتكاب المخالفات، هذا دون الحديث عن عدم توفر إشارات كافية لتحديد السرعة ونوعية الطريق وعدم تجديد تلوين الخطوط على مستوى عدد كبير من الطرق الوطنية والسريعة، وحسب المتحدث فإن العدد المتوفر من أجهزة المراقبة عن بعد غير كاف كذلك لرصد أية مخالفة، كما أن القوانين بحاجة كذلك إلى أرضية أخرى مكملة، منها عدم استعمال المحاباة في الحالات المرتبطة على سبيل المثال بسحب رخصة السياقة. ومن المنتظر أن تساهم عملية إرساء السجل الوطني للحالة المدنية الخاص باستعمال رقم فردي وطني لكل مواطن ورقمنة البطاقة الرمادية ورخصة السياقة، في وضع حد لتعدد الهويات أو استخراج رخص سياقة إضافية، وهي العملية التي تشرف عليها وزارة الداخلية والجماعات المحلية في آفاق 2013، وهذا بعد اكتمال مشروع جواز السفر البيومتري وبطاقة التعريف الإلكترونية في إطار مشروع الجزائر الإلكترونية 2013.