يبدو للوهلة الأولى أن أكبر ما أصبح يعكر حياة المواطنين بعد الحالة الأمنية المتدهورة في ما مضى هي حوادث المرور التي باتت تسجل أرقاما مخيفة جعلت الجزائر تحتل الصدارة عربيا في حصيلة ترتفع من سنة إلى أخرى رغم عديد الإجراءات الصارمة من طرف السلطات المختصة سواء بتنقيح المنظومة القانونية أو بفرض إجراءات رادعة بالطرقات الوطنية، ولكن حصيلة إرهاب الطرقات لسنة 2009 تعتبر الأثقل منذ قرابة العشر سنوات الماضية، بما ضاعف عدد الضحايا ونسبة المعوقين والمصابين بمختلف العاهات كان فيها الإنسان المتسبب الأول بقصد أو دونه وكذا التساهل في المراقبة التقنية للمركبات بما يضمن الموت الحتمي للأفراد. أرقام السلطات الأمنية تكشف المستور.. كشفت أرقام مصالح الدرك الوطني حصيلة التسعة أشهر الأولى من سنة 2009 لحوادث المرور التي بلغت أزيد من 19389 حادث مرور خطير، أي بزيادة 79 حادثا مقارنة بالسنة الماضية وبنسبة تقدر 41,0 بالمائة، أما عدد الوفيات فقد ارتفع أيضا إلى 2947 حالة، أي بزيادة تقدر ب76 حالة وفاة مقارنة بسنة 2008 وبنسبة 65,02 بالمائة، وتبين إحصائيات ذات المصالح أن واقع حوادث المرور في الجزائر خطير جدا وينذر بدخول جرائم الطرقات مرحلة الخروج عن السيطرة بالرغم من كل الإجراءات الردعية على اختلافها سواء بتجديد المنظومة التشريعية فيما يخص تشديد المخالفات والسحب المباشر لرخصة السياقة، بالإضافة إلى مضاعفة استعمال وسائل التكنولوجية في رصد مخالفات السائقين سواء باستخدام الرادارات التي ترصد سرعة سائقي المركبات المخالفة للقوانين، وكذا دخول مرحلة المراقبة عن طريق الكاميرات في كل الطرقات وهي الرهان الفعلي لتكثيف عملية المراقبة، فضلا عن تعزيز دور رجال الأمن وتفعيل يقضتهم عن طريق الأيام التكوينية، والأيام التوعوية والتحسيسية للمواطنين. وحرصا منها لتسليط الضوء على هذه الظاهرة المتزايدة، عكفت قيادة الدرك الوطني على تحضير جملة من الاقتراحات، تشمل الجانب العملي الميداني، المتمثل في الجانب القانوني والوقائي والتحسيسي، والمطالبة بضرورة إنشاء مرصد وطني يضم عدة وزارات يتم إلحاقه برئاسة الحكومة، سيساهم في إعطاء ديناميكية جديدة لتنسيق الأعمال، من خلال وضع سياسة للوقاية وأمن الطرقات، إضافة إلى تعزيز وسائل مكافحة حوادث المرور بتجهيز المعهد الوطني لعلم الأدلة الجنائية والإجرام بمخبر مختص في إعادة تركيب حوادث المرور، وهو ما سيسهل لا محالة من عمل القضاء. الدولة تفعّل المنظومة القانونية وإرهاب الطرقات في تزايد.. موازاة مع الارتفاع المخيف لظاهرة حوادث المرور فإن الدولة لم تبق مكتوفة الأيدي، أين شرعت وزارة النقل في صياغة مجموعة إجراءات ردعية بالتنسيق مع الفاعلين في الساحة الوطنية في هذا الميدان سواء للأخذ بمقترحاتهم أو متابعة تنفيذ الإجراءات الصارمة فيما بعد، ومن جملة الخطوات الرامية إلى حصر انتشار حوادث المرور نلمس الإجراء الأخير الذي هو على طاولة الحكومة للفصل فيه نهائيا والقاضي بتوقيف السيارات التي يزيد عمرها عن 30 سنة من السير في الطرقات وبحسب تقديرات رسمية فإن 60 بالمائة من إجمالي السيارات في الجزائر يفوق سنها عشر سنوات وهو ما سيساهم حسب المختصين في تقليل الحوادث الخطرة التي تسببت فيها في الكثير من الأحيان السيارات المتهرئة التي عادة ما تتحول إلى وسيلة موت للراكبين بسبب التواطأ أو التساهل على مستوى مراكز المراقبة التقنية. كما من شأن إجراء المقترحات التي رفعت للحكومة للفصل فيها بغرض تكثيف عمل الوقاية من حوادث السيارات، وذلك من خلال إدخال تنظيمات تحدد ساعات القيادة وفترات الراحة للسائقين، لاسيما أنه تم الكشف عن التعب كأحد أبرز أسباب الحوادث في الجزائر، يخطط مسؤولون حكوميون، هذا وستدخل هذه الإجراءات حيز التنفيذ بالموازاة مع تنظيمات أخرى منها ما ينص على منع السيارات التي تنقل السلع الثقيلة من المرور في المدن الكبرى مثل ما هو معمول به بالعاصمة خلال ساعات النهار. كما قامت وزارة التجارة بمعية المؤسسات المتابعة لسير عملية منع استيراد قطع الغيار غير الأصلية، وفرضت أن تكون من موطنها الأصلي، لاسيما أن مصالح المراقبة أثبتت أن عامل رداءة قطع الغيار كان المتسبب في حوادث مميتة دون استطاعة السائق التحكم في مركبته. وتقوم وزارة النقل بدراسة إجراءات جديدة تضاف إلى تعديلات قانون السير بعد أن باتت الجزائر تتصدر دول العالم العربي لحوادث المرور والمرتبة الرابعة عالميا، ومن مجموع التدابير الوقائية للتقليل من هذه الظاهرة تتمثل أساسا في إطلاق رخصة سياقة بالنقاط ورفع قيمة غرامات المخالفات، حيث ركزت التعديلات على رفع الغرامات الجزافية وإدخال مخالفات جديدة وإعادة وصف بعض المخالفات بالجنح، حيث صنفت المخالفات للقواعد الخاصة بحركة المرور إلى أربع درجات تترتب عنها غرامة جزافية تتراوح بين 2000 دج إلى غاية 6000 دينار، كما تضمن القانون تشديدا عاما لعقوبات السجن والغرامة بالنسبة لجنح المرور، إضافة إلى تشديد خاص لعقوبات السجن والغرامة لجنح المرور المرتكبة من طرف سائقي مركبات الوزن الثقيل، أما السائقين الجدد سيحصلون على رخصة السياقة الاختبارية صالحة لمدة عامين يفقدونها آليا إذا ثبت ضعف تكوينهم وارتكابهم مخالفات فادحة. والدور التحسيسي والتوعوي له مكانه من قبل السلطات المختصة عند طريق تنظيم أيام تحسيسية، أما الإجراءات الرامية إلى غرس ثقافة التخلي عن السيارات بغير الحاجة مثل ما حدث بالعاصمة الجزائرية أين نظم حملتين تحت شعار »يوم بدون سيارات«. الفترة الصيفية من فصل للاستجمام إلى فصل الألف قتيل.. بلغة الأرقام تؤكد المصالح الأمنية أن فصل الصيف أكثر فترات السنة تسجيلا لحوادث المرور نظرا لارتفاع حجم الحركة على مستوى طرقات الشريط الساحلي ولم تنفع كل الحملات الإعلامية ولا التجنيد الكبير لمختلف مصالح الأمن في التقليل من الظاهرة، ليبقى موسم الاصطياف فترة تضاعف وفيات الأشخاص بالمئات عبر الطرقات، حيث تشهد الفترة الصيفية كل سنة هجرة جماعية للمركّبات نحو الشمال بما يشكل ارتفاع مهول لحجم الحركة على مستوى الشريط الساحلي الممتد على أكثر من 1200 كيلومتر، بالإضافة إلى وضع اهتراء الطرقات والعامل البشري. كما أن المصالح الأمنية تبنت عدة مخططات هدفها حصر ارتفاع حصيلة حوادث المرور، فمصالح الدرك تبنت مخطط دلفين التي جندت من خلاله مئات الأعوان لضمان السلامة المرورية عبر الطرقات الشمالية للبلاد، وهو ما عملت عليه كذلك مصالح الشرطة التي وضعت كل أجهزتها المادية والبشرية في حالة استنفار على مستوى الطرق السريعة المؤدية إلى الشواطئ، ويبقى أن كل هذه الإجراءات أثبتت محدوديتها بالنظر إلى تواصل تسجيل أرقام مرعبة من القتلى والجرحى خلال هذه الفترة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن معدل الوفيات على المستوى الوطني خلال فصل الصيف فاق 1200 قتيل من جملة الأربعة ألاف قتيل التي تسجلها الجزائر سنويا، ومن مسببات ارتفاع الحوادث في هذه الفترة هو السرعة المفرطة والسياقة في حالة سكر لاسيما بالقرب من المركبات السياحية، فضلا عن تهور السائقين الشباب الذين يسهرون إلى آخر الساعات الأخيرة من الليل وليسوا في وعيهم. خبراء ينتقدون تعديلات قانون المرور ولكن..؟ لعل أن قانون المرور الذي كان متشددا مع السائقين المخالفين لقوانين المرور، بالمقابل لمسنا عدم موافقة العديد من الخبراء على تغليب منطق العقاب أكثر من التوعية وغرس الثقافة المرورية، حيث انتقد العزوني تعديلات قانون المرور وأكد أن السلامة المرورية في الجزائر لا تتحقق إلا إذا راقب السائق نفسه كشرطي، أما أن يتم الزيادة في الغرامات نتيجة المخالفات المرورية بصورة عشوائية لا يمكن تحقيق هدف الردع بصورة نهائية بقدر ما يفتح أشكال أخرى للتحايل على القانون، وهو ما نراه أن معظم المواطنين يلتزمون بقانون المرور أمام الحواجز وبمجرد الابتعاد يدوس عليه مثل ما يحدث بالالتزام بحزام الأمن. وأضاف العزوني أن الحل الوحيد الكفيل بتخفيض حوادث المرور هو التركيز على التوعية والتحسيس وإقناع المواطن بغرس فيه ثقافة مرورية تحمله المسؤولية في الحفاظ على حياته، مشيرا إلى أن دور الإعلام أكثر من فعال في معالجة الظاهرة والعمل على تغيير السلوكات السلبية للأفراد، كما أرجع المتحدث سبب الارتفاع أيضا ضعف شبكة الطرقات الوطنية موازاة مع تشبع الحظيرة الوطنية بأكثر من 5 ملايين سيارة، كما انتقد العزوني نقل القوانين المطبقة بالدول الأجنبية ومحاولة تطبيقها في الجزائر بصفة حرفية وهو ما لا يمكن تحقيقه بسبب لا توازن المعطيات أين استدل بتطبيق رواق الخط الأزرق المقتبس من كندا في العاصمة مثلا. المونديال يفرح الجزائريين ويفتح مآتم للعائلات.. لعل أبرز حدث للسنة الفارطة هو الفرحة الكروية العارمة التي انتابت المواطنين بعد أن تأهل المنتخب الوطني لكأس العالم، ولكنت موازاة مع ذلك حدث ما لم يكن في الحسبان في غمرة الاحتفالات بنشوة الفوز، فكما كانت هناك عائلات تواصل احتفالاتها هناك أخرى فتحت أبوابها لتقبل العزاء، سواء لأن أبناءها أفرطوا في فرحتهم ودخلوا في تصرفات صبيانية بسياراتهم لم تعطهم فرصة لتغليب عقلهم في لحظة لا وعي، فكل أرقام السلطات الأمنية تأكد أن عدد ضحايا حوادث المرور ارتفعت بنسب مهولة فضلا عن الخسائر الكبيرة في المركبات. فمثلا بعد فوز الفريق الوطني على الفريق الرواندي فقط توفي 9 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 13 سنة و35 سنة وإصابة أكثر من 200 آخر بجروح متفاوتة في حوادث مرور أغلبها بولايات الوسط، كما تفيد تقارير مراسلينا بالولايات أن العديد من المناطق استيقظت الصباح الذي بعد المباراة على أخبار فقدان أحد أبنائها، وتفيد بعض التقارير أن حصيلة الاحتفالات النهائية بعد تأهل منتخبنا الوطني إلى المونديال كانت كارثية وتجاوزت 200 ضحية. مشروع الطريق السيار وأخرى في الأفق، الرهان كبير.. مما هو متفق عليه أن الحظيرة الوطنية للسيارات تجاوزت 5.5 مليون مركبة، والعدد تضاعف في السنوات القليلة الماضية بسبب الشراء بالتقسيط عبر القروض البنكية قبل أن تستدرك الحكومة وتقرر وقفها نهائيا منذ أشهر، ولكن ذلك تمخض عنه اختناق كبير في حركة المرور لضيق الطرقات وازدحامها، فضلا عن تفاقم حوادث المرور لكثرة المركبات على اختلافها. وموازاة مع هذه الحصيلة الكارثية لحوادث المرور لم تبقى الجزائر مكتوفة الأيدي، بل جاء هذا في صلب قرارات برنامج رئيس الجمهورية، بدأ بمشروع القرن المتمثل في الطريق السيار شرق غرب، والذي وصل نسبة انجاز جد متقدمة نجم عن ذلك فتح عدة أشطر على المستوى الوطني لعل أكبرها بالمنطقة الغربية للوطن، وبالرغم من أن المشروع لم يكتمل إلا أنه ساهم في التقليل نوعا ما من حوادث المرور عن طريق قضائه على بعض النقاط السوداء غير أن غياب بعض الهياكل المنتظر إنجازها قد يساهم في إحصاء حوادث مميتة لاسيما منها إنشاء مراكز الصيانة والأمن وكذا مضاعفة عدد المحاولات. ومن المشاريع التي كانت صلب أولويات بوتفليقة عبر كل أنحاء الوطن هو إطلاق مناقصات دولية لانجاز مشاريع الميترو والترامواي والقطارات الكهربائية التي تعرف تأخرا كبيرا في الجزائر، ولكنها ستقلص من عدد حوادث المرور لا محالة فور انطلاق العمل بها رغم التأخر الذي بات السمة الغالبة في كل المشاريع، وبالرغم من ذلك ستساهم هذه الوسائل في عملية النقل الجماعي للأفراد بما يساعد على غرس ثقافة التخلي عن استعمال السيارات الشخصية عند الأفراد، ويشير الخبراء أن سنة 2010 ستشهد تراجعا في حوادث المرور فور تسلم عدة مشاريع مثل ميترو الجزائر العاصمة والترامواي في المدن الكبرى، لاسيما أن ذلك سيسمح بإزالة الحافلات الصغيرة المتهرئة، فضلا عن الانتقال إلى الاستعمال الحافلات الكبيرة ذات 100 مقعد بما يضمن الاستغناء المرحلي عن الصغيرة منها، المهم الكل ينادي لا بديل عن تسريع انجاز الطريق السيار والمشاريع الأخرى للحفاظ على ما تبقى للعائلات من أفراد.