يكفي أن تكون حاضرا في كابيندا لتكون سعيدا، لأن الحدث كان يدعو الى الافتخار وكان يبعث على السعادة، وربما كل الذين تواجدوا بالقرب من المنتخب الوطني قد غمرتهم السعادة لأنهم كانوا الأقرب إلى صانعي الحدث الذين روضوا "الفيلة"، ولو أن الكثير منا كان يمني النفس لو انه كان حاضرا في الجزائر لمعايشة فرحة الفوز من خلال مظاهر البهجة التي لا يجيد صنعها إلا من تعودوا عليها.. فعلا لقد كانت الأجساد المفعمة بالسعادة في قلب الحدث في كابيندا، لكن القلوب كانت في الجزائر وفي كل شبر منها، لأن الكل يدرك مدى مفعول مثل هذه الانتصارات الكبيرة في نفوس ابناء الجزائر. ذلك هو الانطباع الذي سيطر علينا بعد مبارة الجزائر - كوت ديفوار، في المدرجات وفي غرف الملابس وفي الشوارع المؤدية الى الفندق حيث يقيم المنتخب الوطني وفي كل مكان، لكن ومهما اجتهدنا فإن الكلمات تخوننا لأن ما تحقق في هذه المباراة فاق الخيال بكثير، بل وكرس جوا خرافيا لا يفسر لغزه إلا الذين ساهموا فيه، وحولوا ما كان يراه النقاد مستحيلا الى واقع فرض على كل من قلل من حظوظ الجزائر، أن يعيد النظر في حساباته. في غرفة تغيير ملابس المنتخب الوطني الفرحة لا توصف، لأن لاعبينا وبعد ان تحرروا من ضغط المباراة، تحررت اعصابهم ولم يبق الشد يسيطر عليهم، فكانت مشاهدهم مؤثرة، تعانقوا مطولا دون ان يشعروا رقصوا على طريقتهم وتبادلوا التهاني، وكان المدرب رابح سعدان اكثر سعادة وربما اكثر سيطرة على اعصابه، وهو يهنئ لاعبيه بالقول " لقد كنتم رجالا فشرفتم بلدكم وهذا ما كنت انتظره منكم"... وربما كان غزال اكثرهم مرحا، لأن هذا الغزال عوض ما ضيعه من اهداف وما اكثرها برقصات تجاوب معها الكل، وتبين للذين تمكنوا من التسلل الى غرفة الملابس، ان لاعبينا يجيدون الرقص على كل الطبوع، لأنهم وهم يفرحون كانوا بالفعل في جلدهم الجزائري وكانوا يعبرون بروح جزائرية، حيث ردد الكل شعار: "تحيا الجزائر" بنكهة جزائرية وبنبرة رجولية عبرت عن اصالة من ساهموا في افراح الملايين من الجزائريين. وفي غرفة الملابس ايضا اختفى اللوم في لغة التخاطب واحاديث المدرب مع لاعبيه، لأن الكل لعب والكل استبسل والكل نفذ الاوامر بدقة و الكل ساهم في هذه اللقطة الخطيرة او في تلك، والكل كان سدا منيعا في وجه دروغبا ويايا توري و عبد القادر كايتا، ومن هنا لم يجد رابح سعدان الذي" هندس" الخطة وحرص على التنفيذ، سوى الانخراط في الجو على طريقته، وكأني به اراد ان يقول للاعبيه لكم ان تفعلوا ما تريدون ولكم ان ترقصوا حتى الصباح إن شئتم. اما في الفندق فكانت ليلة بيضاء وكان من الصعب على أي لاعب ان يغمض جفونه، لأن المناسبة كانت اكبر من ان يفوتها أي لاعب او مدرب او مرافق او أي صحفي عايش الحدث وانفعل معه. كل الذين التقيناهم من لاعبين لم يجدوا العبارات الدقيقة لوصف الفوز او الحدث، لكنهم اتفقوا على ان المنتخب الجزائري جاهز لكل الطوارئ وترويض كل من سولت له نفسه احتقارهم، بالرغم من اجماعهم على انهم يحترمون كل الخصوم. زياني وكعادته لم يتردد في القول، لقد اثبتنا للجميع بأننا نستحق الفوز والتأهل ولعبنا بعقلية المونديال، وكان "الكان" بالنسبة لنا فعلا بمثابة اختبار حقيقى، خاصة ونحن نواجه عملاقا في وزن كوت ديفوار. أما مطمور الذي اعاد التوازن إلى النتيجة في وقت جد مهم من الشوط الاول، فربما كانت سعادته بحق لا توصف، خاصة وانه اختير ايضا رجل المباراة، بفضل الحركة التي ابداها وازعاجه لدفاع "الفيلة" وبفضل هدفه وحتى من خلال اللقطة الانفرادية التي ضيعها عندما خرج وجها لوجه مع الحارس باري، الذي كانت معه بركة السماء التي انقذته من هدف محقق، كان ربما سيزيد من تعاسته وهو الذي ادى اسوء امسية في حياته الكروية، لكنه اعترف بأن " الافناك " تستحق لقب "ثعالب الصحراء". مطمور قال " ليسانسيال لا فيكتوار"، إنه شيء رائع ان تروض "فيلة" كبارا بهذه الطريقة وتتفوق عليهم في اللعب والنتيجة وتصعد الى الدور ربع النهائي، أشكر الله على هذا الإنجاز التاريخي الذي بدد كل الشكوك ووضعنا في السكة الصحيحة. أما غزال الذي اكمل المباراة معصوب الرأس ولم يغادر ارضية الملعب رغم خطورة إصابته كما كانت تبدو لنا، فقد كان دبلوماسيا مع زملائه حين رقص طربا وهو يقول يكفي ان اعوضكم الاهداف التي ضاعت مني بهذه الرقصة، لقد كانت مزحة طريفة تقبلها سعدان قبل غيره، بل وصفق للاعبه على روحه المرحة وعلق قائلا : "لقد كان عبد القادر نجما بالكرة وبدون كرة، تحرك في كل الاتجاهات واربك الفيلة حتى وهو مصاب، إنه فعلا من طينة نادرة".... ربما من الصعب رصد كل اللقطات في هذه العجالة، لأنه ومهما اجتهدنا فقد نجد انفسنا مقصرين في وصف الحدث او الالمام بكل جوانبه، وما اكثرها المواقف الطريفة التي تستحق التعليق والاشارة إليها، لعل اطرفها موقف الحارس شاوشي من زميله زماموش الذي كان يتأهب لأخذ مكانه، إذ أن هذه اللقطة كانت أكثر تداولا بين اللاعبين، و ربما اكثر طرافة يقول زماموش نفسه، الذي قال أحيي شاوشي على شجاعته، لأنه فضل مواصلة "المعركة" على الانسحاب للتداوي، إنه فعلا موقف يستحق التثمين، لأنه اعطى للمنتخب الوطني جرعات من الاكسجين وكان موقفه ايضا بمثابة حبوب شجاعة لنا. وعلى هذا المنوال علق الكل على شجاعة الحارس شاوشي الذي يستحق لقب المقاتل، الذي سيتذكره دروغبا طويلا وهو الذي نادرا ما يقف في وجهه الحراس، لكن الجميع تأسف لأن شاوشي غادرهم للعلاج في مستشفى كابيندا بعد المباراة، حيث خضع لبعض الفحوصات لمعاينة إصابته التي تأثرت لارتماءاته الانتحارية وللتدخلات العنيفة التي تعرض لها من المهاجمين الإيفواريين الذين سعوا بكل ما يملكون من قوة ولياقة إلى الاحتكاك به أو الحد من يقظته دون أن ينالوا من شجاعته... وقد استمرت مظاهر البهجة على امتداد السهرة، وهذا في وقت لم تنقطع فيه مكالمات التهاني على لاعبينا، حيث تفرغ العديد منهم للرد عليها كل على طريقته، خاصة تلك التي كانت تحمل حرارة الشوق للقاء الوالدين او الزوجات والصديقات والابناء او الاحباء، ولم يهدأ بهو الفندق إلا في ساعة متأخرة، حيث استسلم الجميع للراحة المطلوبة، بينما انصرفنا نحن الصحفيين لمواصلة الحدث على طريقتنا المعهودة ولساعة متأخرة ايضا..