قبلت فصائل المقاومة التشادية أمس، بوقف لإطلاق النار مع القوات النظامية في أقل من أسبوع منذ شنهم لأوسع هجوم عسكري على العاصمة نجامينا ووصولهم إلى مشارف القصر الرئاسي قبل أن ينسحبوا وسط تساؤلات كبيرة حول المغزى من قرارهم· وقال عبد الرحمن كلام الله الناطق باسم المتمردين، تعليقا على قرار تحالف الفصائل المتمردة أنه جاء من أجل وضع حل لمعاناة السكان وتلبية لمساعي الأشقاء في ليبيا وبوركينا فاسو، ولكن عدة تحاليل أكدت أن قبول المتمردين بوقف فوري للمعارك أملته الضغوط الدولية التي تعرضوا لها مباشرة بعد انطلاق مسيرة زحفهم نحو العاصمة التشادية· يذكر أن الاتحاد الإفريقي الذي أدرج التطورات العسكرية المفاجئة في تشاد على جدول أعمال قمته الأخيرة وأوكل للرئيس الليبي معمر القذافي والكونغولي ساسو انعيسو بالشروع في مساعي وساطة بين فرقاء الأزمة التشادية وإنهاء الاقتتال بينهم وفتح صفحة مفاوضات بينهما· ولا يستبعد أن تكون فصائل التمرد قد أذعنت لضغوط ليبية متزايدة لوقف تحركاتها العسكرية بالنظر إلى علاقات طرابلس بقيادات مختلف هذه الفصائل وأيضا بسبب الرغبة الليبية في استعادة دورها الديبلوماسي على الساحة الإفريقية·ويضاف إلى ذلك فإن القرار المفاجئ بوقف إطلاق النار جاء بعد أن حُظيت الحكومة التشادية بدعم الأممالمتحدة التي رفضت تغيير النظام في تشاد بالقوة العسكرية بعد مواقف مماثلة من الولاياتالمتحدةوفرنسا· وقد اعترفت مصادر مقربة من المتمردين أن ضغوطا دولية قوية مورست عليهم مما دفعهم إلى قبول وقف إطلاق النار·ويكون التدخل العسكري لطائرات حربية فرنسية في المواجهات وملاحقة قوات المتمردين في طريق انسحابهم من العاصمة نجامينا قد حسم الوضع العسكري ولم يترك لفصائل التمرد من خيار آخر سوى قبول وقف إطلاق النار· وتضاربت الأخبار حول حقيقة التدخل الفرنسي فبينما أكد المتمردون تعرض قواتهم لقصف جوي فرنسي، نفت السلطات الفرنسية هذه الاتهامات وأكدت أن ما يُروج في هذا الشأن لا أساس له من الصحة·ولكن السلطات الفرنسية التي التزمت حيادا غير مفهوم في بداية انزلاق الوضع عادت إلى الواجهة وحذرت بطريقة ضمنية أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ما يجري· وخرج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس، عن صمته إزاء تطورات الوضع وقال أنه إذا لزم الأمر على فرنسا القيام بواجبها في تشاد فإنها لن تتردد في ذلك وهي رسالة فرنسية واضحة المعنى باتجاه المتمردين من أن القوات الفرنسية في تشاد وقواعد عسكرية أخرى في إفريقيا لن تبقى مكتوفة الأيدي إذا ما شعرت أن مصالح فرنسا أصبحت مهددة·والملاحظ أن الرئيس الفرنسي لم يشأ قول مثل هذا الموقف قبل أيام وفضل اعطاءه صفة الشرعية الدولية بعد مصادقة مجلس الأمن الدولي على قرار أدان هجمات المتمردين وقال أن بلاده لن تتأخر في القيام بعمل عسكري ضد أي عمل يناقض قواعد القانون الدولي· ويجهل إلى حد الآن المراحل التي ستلي قرار وقف إطلاق النار وما إذا كان وسطاء الأزمة سيواصلون مساعيهم من أجل إجلاس فرقاءها إلى طاولة مفاوضات واحدة لطرح كل القضايا الخلافية بهدف إنهاء أزمة السلطة والحكم في هذه الدولة التي لم تعرف الاستقرار السياسي اللازم· وفي انتظار ما ستكشف عنه تطورات الأيام القادمة، فإن مأساة قرابة 20 ألف لاجئ تشادي في دول الجوار ستلقي بظلالها على الوضع في بلد يصنف ضمن أفقر دول العالم·وحذرت المفوضية الأممية السامية للاجئين أمس، من كارثة إنسانية قد تلحق بهؤلاء اللاجئين الذين مازالوا يتدفقون تباعا على الأراضي الكاميرونية في ظروف لا إنسانية ووسط افتقادهم لأدنى شروط العيش·