على عكس كل التوقعات انسحب المتمردون التشاديون من العاصمة نجامينا يومين بعد فرض سيطرتهم على أهم شوارع المدينة والهيئات الرسمية بها باستثناء القصر الرئاسي الذي تحصن به الرئيس إدريس ديبي·وفتح هذا الانسحاب الباب أمام العديد من القراءات حول دواعي هذا التراجع وما إذا كانت معادلة المعركة قد انقلبت لصالح الرئيس التشادي بعد أن أكدت كل التقارير أن نظامه أوشك على السقوط وخاصة بعد أن منحته السلطات الفرنسية فرصة الخروج والمغادرة· كما دفع هذا الانسحاب إلى التساؤل حول حقيقة قوة الفصائل التشادية المتمردة وقدرتها في ترجيح كفة الصراع لصالحها وما إذا كان انسحابها، تراجعا تكتيكيا أم أنه فشل في إتمام مهمة بدأوها قبل أسبوع وقطعوا لأجلها آلاف الكيلومترات وخاضوا لتحقيقها معارك ضارية قبل أن يقرروا العودة من حيث أتوا· وقد اعترف عبد الرحمن كلام اللّه الناطق باسم تحالف فصائل التمرد المسلح من تشاد بهذا الانسحاب وقال لقد غادرنا المدينة ولكننا سنعود، حاثا سكان العاصمة على مغادرتها تحسبا لهجوم الحسم النهائي· ولكن الحكومة التشادية دحضت هذه التأكيدات، وأكد وزير المناجم محمد أحمد عبد اللّه قائد العمليات العسكرية للقوات النظامية أن من أسماهم بالعدو قد اندحر وتم تشتيت قواته، وأضاف أن هدف هؤلاء كان بغرض تدمير المدنية وقد اضطروا إلى الانسحاب لأنهم لم يجدوا خيارا آخر غير ذلك، وأن عامل الوقت سيؤكد هذا الفشل· وقال متتبعون أمس إن السبب الحقيقي لما آل إليه الوضع العسكري في تشاد يعود أساسا الى قوات الامداد العسكري التي تتمتع بها القوات النظامية في العاصمة على نقيض المتمردين الذين يمتلكون قواعد امتداد على بعد مئات الكيلومترات من نجامينا مسرح المعارك والاقتتال الأخير· وأكدت مصادر اعلامية في ساحة المواجهات أن الهدوء عاد الى المدينة في وقت اختفت فيه كل عناصر القوات المتمردة أمام زحف قوات الجيش النظامي·ولكن شوارع العاصمة حافظت على مظاهر الخراب والدمار الذي لحقها، من خلال آثار المواجهات والبنايات المدمرة والسيارات المحروقة والنوافذ المكسرة زجاجها، وحتى جثث قتلى المواجهات كانت وإلى غاية أمس ملقاة على الأرصفة والشوارع وسط انبعاث لروائح كريهة بسبب تعفنها· ورغم عودة الهدوء الحذر واستعادة قوات الجيش السيطرة على الوضع في العاصمة الا أن ذلك لم يقنع آلاف السكان من مواصلة فرارهم مخافة وقوعهم مرة أخرى بين فكي كماشة نيران الطرفين المتحاربين وخاصة وأن تقارير أخرى أكدت أن وحدات من قوات المتمردين مازالت في مشارق المدنية بما أعطى الاعتقاد أنها ربما ستعاود الكرة وأن المعركة لم تنته بعد وأن الاقتتال قد يتجدد· وفي ظل حالة الترقب هذه؛ نفت الحكومة السودانية مجددا أمس أي تورط لها في المعارك الجارية في تشاد وجاء تأكيد الخرطوم ردا على اتهامات السلطات التشادية تجاهها بالوقوف وراء هجمات فصائل التمرد المسلحة ضد نظام الرئيس التشادي بهدف التخفيف من الضغوط الدولية الممارسة عليها، على خلفية الأوضاع في اقليم دارفور· وقال عثمان محمد الأغبش الناطق باسم القوات المسلحة السودانية إن ما يجري داخل تشاد شأن داخلي ولا دخل للسودان فيه· وأضاف ان المعلومات التي أشارت الى مشاركة الطيران الحربي السوداني في المعارك لا أساس لها من الصحة ولاتستند الى أية أدلة· ومن جهة أخرى فشل أعضاء مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية أمس في التوصل الى اتفاق لإستصدار لائحة أممية حول تطورات الأوضاع في تشاد·ويكون التحفظ الروسي على نص مشروع القرار الذي صاغته فرنسا لإدانة الهجمات وراء تعذر اصدار لائحة أممية في هذا الاتجاه·