حمل المشاركون من أفراد الجالية الجزائرية بالخارج خلال الطبعة الثانية من جامعة الجالية بولاية الوادي الكثير من الذكريات الجميلة التي من دون شك سوف يروونها لأهاليهم ويفتخرون بها أمام أصدقائهم عند العودة من خلال الصور الفوتوغرافية التي لم يتوقفوا عن التقاطها عند كل معلم يميز مدينة الألف قبة، بعد أن عاشوا أسبوعا مليئا بالحفاوة لمسوا فيه عمق تراث بلادهم، ولم تكن الجالية تتوقع أبدا أن تكون الجزائر بهذا السحر التي تغيرت ملامحها كثيرا بفضل المشاريع الكبرى التي بادر بها رئيس الجمهورية منذ1999 . كانت مناسبة إقامة الجامعة الثانية للجالية الوطنية بالخارج التي دأبت وزارة التضامن والأسرة والجالية الوطنية بالخارج على تنظيمها بصفة دورية منذ انطلاقها الصيف الماضي فرصة لتمتين صلة مغتربينا ببلادهم، حسب ما سجلته "المساء" التي كانت ضمن المدعوين لهذه التظاهرة . فالإعجاب بدأ من السماء وتحديدا عند إقلاع الطائرة من مطار هواري بومدين، حيث التحق بنا أفراد الجالية المقيمة بفرنسا، وكان بعض الشباب يلح على تقنيي الطائرة دخول مخدع قائد الطائرة لمشاهدة الجزائر من الأعلى عند لحظة الإقلاع مباشرة، فكانوا يتداولون على ذلك مثنى مثنى، وكنا نشاهد تقاسيم الفرحة مرتسمة على وجوههم بمجرد خروجهم من المخدع، معبرين عن انبهارهم بجمال طبيعة بلادهم، وبعد 40 دقيقة من الطيران هبطت الطائرة بمطار الوادي في حدود الحادية عشر ليلا، وتم استقبالنا وحسب العادة الجزائرية بالتمر والحليب كفأل خير على المدينة، وحتى تكون الأيام التي سنقضيها في هذه المدينة بيضاء صافية وناصعة كالحليب وحلوة كالتمر. وتزامن اليوم الأول من التظاهرة مع مناسبة دينية عزيزة وهي المولد النبوي الشريف الذي أبدعت فيه الفرق الفولكلورية في مدح رسول الله في جو لم يعتده الجزائريون المقيمون بالمهجر، وقالت إحدى المغتربات "في المهجر لا نحتفل بهذه المناسبة واكتشف العديد منهم مغزى الاحتفال وأشادوا بثراء التراث الوطني وثقافته المتنوعة والمتفتحة على أكثر من جهة، فكانت البداية للعديد من أفراد الجالية القادمين من ثماني دول من مختلف الأجيال لربط العلاقة بالوطن وإثلاج حرقة الحنين التي حملوها منذ صغرهم وتداولتها الأجيال عبر ما يرويه الأولياء للأبناء. البرنامج الثقافي والترفيهي والسياحي للمشاركين في الجامعة الثانية كان مكثفا، حاول خلاله المنظمون إعطاء أكبر قدر ممكن من التشكيلة التراثية التي تزخر بها الجزائر ومدينة الوادي على وجه التحديد، فكانت الخرجات إلى الكثبان الرملية وإلى غيطان النخيل وكذلك إلى أهم المعالم الأثرية المرتبطة بمقر الزاوية التيجانية بمنطقة قمار، حيث تعرف الزوار على ماهيتها وأهميتها بالنسبة للمجتمع السوفي. الأهرامات المقلوبة أو سر بعث الحياة اندهش الجميع خلال الخرجات التي سطرت إلى بعض بساتين النخيل من شكل الغيطان - وهي بساتين النخيل تغرس تحت الأرض- التي تمثل الحياة التاريخية والحضارية للسوافة ودليل عبقرية فذة ونادرة في التاريخ البشري، حتى أن مؤلفين أجانب وصفوا الغيطان في كتاباتهم بالأهرامات المقلوبة، ويتطلب انجاز غوط واحد عمل عدة أجيال من الكد والحفر طولا وعرضا في باطن التربة الرملية وهناك من مات تحت الردم للوصول إلى المياه وغرس فسائل النخيل لتعطي النخلة ثمارها بعد 5 سنوات. ويروي أهل المنطقة أنه بفضل هذه الغيطان تمكن السوفيون من البقاء ومصارعة الطبيعة القاسية وهو منتوج لا يحتاج إلى الاعتماد على السقي بالكهرباء كما هو الحال مع النخيل الذي يسقى على سطح الأرض وظل مصدر رزق وحيد لهم في تلك الأزمنة السحيقة، ويتحدث الكثير من المؤلفين الأجانب والألمان بصفة خاصة عن معجزة الغيطان باندهاش كبير واعتبروها أهرامات مقلوبة منجزة تحت الأرض وذكروا أنها أنجزت بعبقرية فذة لا تماثلها إلا عبقرية الفراعنة الذين بنوا الأهرامات فوق سطح الأرض، وذكر الباحثون ممن عاصروا الغوط في مدينة الوادي أن الغيطان التي كانت تشكل الحياة الاجتماعية والسياحية والاقتصادية حركت خبراء اليونسكو في السبعينات وبعدها، حيث أصدرت طابعا بريديا خاصا بالمدينة سمته "المدينة الأنظف في العالم" . من جهتها، سجلت منظمة الأغذية والزراعة الفاو الغوط ضمن التراث العالمي ومن الواجب الحفاظ عليه لكونه يمثل نظام حياة قائم بذاته تدل على عبقرية السوافة الذين ابتكروه وأدخلوه في نظام حياتهم وكانت العديد من الأعراق عجزت عن تحمل العيش فيها نظرا لصعوبة العوامل الطبيعية والمناخية. وأفادت تقارير رسمية بولاية الوادي أن عدد غيطان النخيل يصل حوالي 10 ألاف غوط منها أكثر من 900 غمرتها المياه بسبب ظاهرة صعود المياه وحوالي 1900 غوط آخر رطب ومبلل في حالة خطر ولم يبق سوى 6600 غوط جاف بعيد عن خطر صعود المياه، وهناك حديث عن تلف مليون نخلة مثمرة حتى الآن بسبب صعود المياه، الأمر الذي أجبر العديد من الفلاحين على تغيير نشاطهم أوإحالتهم على البطالة قصرا، وتصارع ثروة نخيل الغيطان مشكلا آخر يتعلق بظاهرة الشيخوخة، حيث بلغ عمر نخيل الغيطان 80 سنة دون تجديده، وكذلك هروب المياه نحو العمق من باطن الأرض بعيدا عن جذور النخيل التي ماتت بسبب العطش. الطريقة الصوفية للزاوية التيجانية توجهت الحافلات المُقلة لأفراد الجالية نحو أهم المعالم التاريخية بالزاوية التيجانية بقمار، وتدفقوا نحو المدخل الأثري المنمق بالزخرفة الإسلامية البديعة أفواجا، مبهورين بالأجواء التي وجدوها هناك، فراح العديد منهم يلتقط صورا للذكرى وآخرون يسألون عن الزاوية ودورها في تدريس القرآن ونشر الوعي، فتسربوا عبر كل المداخل ووقفوا عند الأقواس، ويشرح لنا أحد المعتكفين على الطريقة السيد عبد السلام، ميزة الطريقة الصوفية التيجانية عن باقي الطرق الأخرى، حيث قال إن التيجانية طريقة للعبادة كغيرها من الطرق ولكنها تعتمد على الأفكار والجلوس في المسجد وحفظ القرآن والثقافة العامة، وأضاف أن الطريقة تمارس بهدوء، بمعنى عدم الاختلاط، الخبط والجدب بالمقارنة مع الطرق الأخرى. وتأسست الزاوية التيجانية عام 1204 هجري الموافق ل 1789 ميلادي بأمر من الشيخ الأكبر وبإشراف المقدم سيدي محمد الساسي القماري وهي على شكل مربع 9م/ 9م، وقد خطّ أضلاعها سيدي محمود التونسي والى يومنا هذا بقيت محفوظة على شكلها الأصلي. وشيد جامع سيدي أحمد عمار وسطح "سيدنا" ما بين 1869 و1870 من طرف الخليفة الشيخ سيدي العيد الأول ويعتبر سطح سيدنا أول طابق علوي بمنطقة سوف وتم نقش قبة المسجد من طرف الفنان أحمد بن طاهر بن بلقاسم التجاني من عين ماضي، وبذلك يكون قد أدخل فن النقش لمنطقة سوف لأول مرة، وتم تشييد معلم الدار الخضراء عام 1890 من قبل الشيخ سيدي حمه وأصبحت الدار المقر الجديد للزاوية وكانت مخصصة لاستقبال الضيوف وتدريس العلوم الإسلامية ولما بويع بالخلافة الشيخ محمد العيد قرر تجديده وتم تدشين الجزء الأول منه في سبتمبر 2001، وخصص سطح سيدي حمه عروسي ذو القبة الهرمية لاستقبال الضيوف والتدارس في فصل الشتاء وشيد حوش سيدي العيد سنة 1900 لاستقبال الضيوف وإيوائهم وكذلك لاحتواء مجالس التدارس حسب الفصول وأضيف له الحوش الشرقي، كذلك جامع سيدي حمه عروسي وباب دار الجنان الذي شيد سنة 1914 لاستقبال الضيوف والتدارس في وقت الحر، وشكلت هذه المعالم قطبا للشعاع الصوفي على الطريقة التيجانية التي اتبعها العديد من العلماء الأجلاء على غرار عبد الحميد بن باديس ومحمد العيد آل خليفة. المشاريع الكبرى بولاية الوادي كنا نسمع دائما عن مدينة الوادي أنها تلقب بمدينة ألف قبة وقبة ولكن عند دخولنا المدينة والتجوال عبر شوارعها اقتنعنا أنه لابد أن يغير لقبها لأنها تحتوي على أكثر من ألف قبة، خاصة بعد المشاريع التي أطلقها البرنامج التنموي لرئيس الجمهورية والتي تجسدت بعد 11 سنة بشكل ملفت، والحقيقة أن هذا الشكل الهندسي لمباني المدينة الرسمية والسكنية أعطاها بصمة خاصة، وإدراجها له دوافع وأسباب علمية أكثر منها جمالية، بحيث أن القبة تسمح بتهوية طبيعية داخل البيوت من منطلق ان المناخ بمدينة الوادي قاس جدا والحرارة فيها لا تحتمل، علاوة على أن القبب تمنع من تكتل الرمال فوق سطوح المنازل، كون تضاريس الولاية مقسمة على ثلاثة مناطق أساسية حيث تشكل منطقة سوف المنطقة الرملية وتغطي كامل إقليم سوف من الناحية الشرقية والجنوبية، ومنطقة وادي ريغ وهي نوع من الهضاب الحجرية تمتد مع الطريق الوطني رقم 3 من غرب الولاية إلى جنوبها، وأخيرا منطقة المنخفضات وتسمى منطقة الشطوط في الناحية الشمالية من الولاية وتمتد نحو الشرق بانخفاض متتابع ومتغير. وتعرف الولاية بمناخها الصحراوي الجاف حار صيفا والبارد والرطب شتاء، حيث الجليد في بعض المناطق ليلا، أما الأمطار فتساقطها ضعيف أقل من 80 ملم / السنة خلال فترة أكتوبر ونوفمبر من كل عام، وتتسبب هذه الأمطار في بعض الكوارث خاصة على السكنات الهشة محلية الصنع، ويقدر عدد سكان الولاية 673.769 نسمة حسب الإحصاء العام للسكان لسنة 2008. وفي إطار برامج التجهيز للدولة، استفادت مدينة الوادي بغلاف مالي قدره 173 مليار دينار في الفترة الممتدة بين 1999 و2008، وذلك لإنجاز 3416 مشروعا، منها 2755 منجزة و661 قيد الانتهاء، وقد شملت قطاعات السكن والتعمير، الصحة والحماية الاجتماعية، التعليم العالي التربية والتعليم، التكوين المهني، الثقافة، الشباب والرياضة، الطاقة والمناجم، الأشغال العمومية، الري، الفلاحة والغابات، والمنشآت الإدارية، وقد وزعت هذه المشاريع على 30 بلدية التي تضمها الولاية. ولعل أهم المشاريع التي تعززت بها الولاية، تلك المتعلقة بقطاع الصحة من خلال تمكين المواطنين من الاستفادة من خدماته عبر إنشاء مركز لمعالجة أمراض السرطان ومستشفى خاص بأمراض الشيخوخة وقاعة ولادة في الوسط الريفي، كما استفادت المنطقة الحدودية مع الجمهورية التونسية من محطة للمراقبة الصحية، وكذلك استفادت الولاية من المركز الوسيط لمعالجة الإدمان، فضلا عن تعزيزها بثلاثة مراكز لتصفية الكلى. وبخصوص قطاع السكن، فقد تم انجاز أكثر من عشرة ألاف مسكن اجتماعي و4290 مسكنا تساهميا و12430 مسكنا ريفيا و3000 مسكن للاستعمال المهني، حيث رصد له ميزانية تفوق 33 مليار دينار، وتعزز قطاع التعليم العالي بجملة من المنشآت بميزانية قدرت بحوالي 4 ملايير دينار، وتم فيها انجاز 5 مطاعم جامعية، وتدعيم الحي الجامعي ب4635 سريرا، أما المركز الجامعي فقد تدعم كذلك ب13134 مقعدا بيداغوجيا، وفيما يتعلق بالتربية والتعليم، فقد خصص لها غلاف مالي يزيد عن 10 ملايير دينار، لإنجاز 49 ثانوية، 117 متوسطة، 3387 قاعة للتدريس، 358 مدرسة ابتدائية، 165 مطعما مدرسيا، 38 مطعما نصف داخلي. أما قطاع الشباب والرياضة فقد رصد له أكثر من 3 مليارات لتشييد 10 مركبات رياضية جوارية، 190 ساحات اللعب، 4 مسابح جوارية و5 قاعات متعددة الرياضات، ومركزين للترفيه العلمي و6 بيوت للشباب، أما قطاع الطاقة والمناجم الذي خصص له أكثر من 17 مليار دينار فتم فيه إيصال الكهرباء لحوالي 106542 مسكن، إضافة إلى ربط 62803 مسكن بالغاز الطبيعي.