تحمل العديد من المعالم التراثية التي تزخر بها مناطق ولاية وهران وشوارع مدنها، أسماء نساء صنعن أحداثا تاريخية ودخلن الذاكرة الجماعية من باب التراث الشعبي والتاريخ الإنساني والنضال الوطني، وبين الأسطورة الشعبية والحقيقة التاريخية "تطفح" على سطح الذاكرة الشعبية أسماء نسائية ظلّت رغم مرور الزمن تنبض بالحياة خلّدتها معالم أثرية شاهدة على بطولاتهن، ومن أمثالهن "عزيزة" و"بدرة" و"العالية" و"القايدة حليمة" و"الأخوات بن سليمان" و"صوفي زبيدة"، وغيرهن من النساء اللائي اقتفين آثار الأسلاف لتحقيق الأمجاد والانتصارات. فالمرأة الحديدية "العالية" اقترن اسمها بالمعلم الأثري "جرف العالية" الواقع بالبلدة الساحلية العنصر بالطنف الوهراني الغربي، وتروي قصص شعبية قصة هذه المرأة التي جرت قبل الاحتلال الإسباني لوهران، عندما قررت "العالية" الفارسة المغوارة الصعود إلى الجرف لتنتحر بعد أن انتقمت لزوجها الذي كان قائدا في قبيلة بسيدي بختي يسمى "غرين"، الذي انهزم في معركة دارت رحاها بين قبيلتين بالقرب من منطقة بوتليليس، ومنذ ذلك الحين صارت هذه الحكاية مضربا مثل في قوّة وشجاعة ووفاء هذه المرأة التي قالت قبل وفاتها "ما بقات دنيا من بعد غرين". وأمام المكان المسمى "وثبة لفرس عزيزة"، يتذكّر كلّ من يزور جبل "مرجاجو" - المعروف بمنظره الخلاب والذي يعتبر من بين المعالم الأثرية التي تزخر بها مدينة وهران - أحداث وفاة السيدة عزيزة وزوجها يوسف بن تاشفين الذي يعتبر آخر أمراء المرابطين في سنة 1145 بوهران هروبا من حصار الموحّدين ليلقيا حتفهما في أحدى جروف هذا الجبل، وقد ذكر مؤسّس علم الاجتماع ابن خلدون لدى تطرقه في كتابه المشهور "المقدمة" عن تاريخ الأمازيغ، قصة نهاية آخر أمراء المرابطين وزوجته. وبالمعلم الأثري المعروف عند سكان المرسى الكبير "دادا يوب"، تنسج خيوط حكاية الحمامات التي كانت تدعى في زمن بعيد باسم "حمامات الملكة" التي زارتها ملكة إسبانية كان يطلق عليها اسم "جوان المجنونة" طلبا للعلاج من مرض جلدي، وحسب الحكايات فإنّ هذه الملكة تماثلت للشفاء بعد أن عولجت بمياه هذه الحمامات، واستنادا إلى بعض المصادر التاريخية، فإنّ "هذه المرأة التي تدعى جوان لا لوكا كانت ملكة كستيليا (1504 - 1555)، وكذا ملكة أرغون (1516 - 1555)، وكانت قصة جنونها وحياتها الدرامية مادة فنية للعديد من الروائيين والسينمائيين. وفي العهد العثماني، ذاع بوهران صيت السيدة "بدرة" زوجة آخر بايات وهران الحسن (1823 - 1831)، حيث أجمع المؤرخون على أنّ هذه المرأة كانت "استثنائية " وعرفت بركوب الخيل وحمل الخناجر التي أهداها والدها الباي "بوكابوس" إياها، وكانت "بدرة" التي اقترن اسمها بالمعلم الأثري "قصر الباي حسن" ذات جاه، حيث ساهمت إلى جانب زوجها في إقامة العدل في تلك الفترة، فضلا عن تقديمها المساعدات للمحتاجين حتى أصبح يقال أن "الباي حسن لا يخاف إلاّ من بدرة". وتبرز بين حنايا تاريخ مدينة وهران السيدة حليمة زياني بن يوسف، التي تعرف باسم "القايدة حليمة" (1855 - 1944) التي اقترن اسمها بالأعمال الخيرية التي قدمتها لمواطني وهران، وكرّست حياتها في تسيير الأملاك العائلية وممتلكاتها الهامة، وقد ساهمت "القايدة حليمة" في بناء مسجد "بن كابو" الواقع بالقرب من حي "المدينةالجديدة" لتدفن فيه، إضافة إلى أنّها تنازلت عن قطعة أرض شاسعة بمنطقة "عين البيضاء" مما سمح باحتضان أكبر مقبرة بولاية وهران. كما اقترنت بعض الشوارع الكبرى لمدينة وهران وأحيائها الشعبية، بأسماء بعض ممن سقطن في ميدان الشرف أثناء الثورة التحريرية، من بينهن الشهيدتان الأختان بن سليمان، وهما "هوارية" التي ولدت في سنة 1938 بوهران واستشهدت والسلاح في يديها سنة 1957 بحي "البدر" وشقيقتها "سعدية" المدعوة "نصيرة" (1937 - 1961)، وبحي "العثمانية" ليس هناك من لا يعرف الشهيدة صوفي زبيدة (1938 - 1957) (التي يحمل شارع كبير، وكذا العيادة المتعددة الخدمات اسمها). إنّها نماذج من النساء اللائي ارتبطت أسماؤهن بمعالم وشوارع تروي قصصا متجذّرة في عمق التاريخ والتراث الشعبي لمدينة وهران، والتي تحتاج إلى تدوينها في دليل أو استحداث موقع عبر شبكة الأنترنت للتعريف بها، حسب ما أشار إليه أحد المهتمين بتاريخ الولاية. الذي أكّد أنّ منطقة وهران حبلى بمثيلاتهن واللائي ساهمن في جميع نواحي الحياة.