بدأ الشك يحوم حول إمكانية عقد قمة الاتحاد من اجل المتوسط المنتظرة لشهر جوان القادم بمدينة برشلونة الاسبانية بسبب العراقيل التي تضعها إسرائيل في طريق تحريك هذا لاتحاد الذي بقي مجرد هيكل فارغ سنتين منذ إعلان تأسيسه. وبدت هذه النهاية حتمية بعد أن تعمدت حكومة الاحتلال خلال السنتين الأخيرتين إلى وضع كل العقبات في طريق مسار السلام بمنطقة الشرق الأوسط وكان ذلك كافيا ليرهن مصيره وبما يستدعي تدخلا عاجلا من الدول الأوروبية وخاصة فرنسا إلى إرجاع هذا العضو إلى جادة الطريق. وعرف هذا الاتحاد، أمس، انتكاسة أخرى في خطوات سيره الأولى بفشل اجتماع مصيري حول الماء عقد بمدينة برشلونة الاسبانية بسبب خلاف تقليدي بين الدول العربية وإسرائيل حول هذه المادة الحيوية. وكان لمطالبة المشاركين العرب في هذه الندوة بتحديد الأراضي العربية المحتلة كافة لإفشال الاجتماع بعد أن رفضت إسرائيل تحديد هذه الأراضي على اعتبار أن منطقها الاستيطاني يتعارض مع لوائح مجلس الأمن الدولي التي تحصر الأراضي العربية المحتلة في كل الأراضي التي تم احتلالها في حرب جوان .1967 وتأتي هذه الحادثة لتؤكد الصعوبات الكبيرة التي يواجهها هذا الاتحاد الذي بقي بعد سنيتين من انطلاقه مجرد هيئة عاجزة حتى عن وضع هياكله التنظيمية بسبب عمق الخلافات ومقاربات أعضائه المتناقضة حد التنافر. ولا يمكن لأي متتبع لصيرورة مسيرة الاتحاد من اجل المتوسط الذي أسسه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في جويلية 2008 أن يقول شيئا آخر من غير أن إسرائيل وسياساتها تبقى العقبة الرئيسية في طريق هذا الاتحاد الإقليمي. وعندما ندرك أهمية الذهب الأزرق في منطقة مرشحة لأن تعرف اعقد أزمة في خلال السنوات القادمة ويرشحها خبراء الاستراتيجية لان تكون سبب الحرب القادمة في المنطقة نعرف سبب رفض إسرائيل الاعتراف بالأراضي المحتلة وفق الحدود التي رسمتها الأممالمتحدة لأنها ببساطة تبقى منابع الماء الرئيسية لكل الدول سواء في الجولان أو الضفة الغربية وعلى حدود البحر الميت وأنهار جنوب لبنان التي تحتله إسرائيل. ورغم أن إسرائيل حالت إلى حد الآن دون عقد أي اجتماع بسبب مواقفها فإن فرنسا صاحبة مبادرة إنشاء هذا التكتل عجزت إلى حد الآن عن ردع حكومة الاحتلال على مواقفها وخاصة وأن حكومة الاحتلال لم تتأخر في عرقلة مسيرة الاتحاد أشهرا بعد توقيع عقد ميلاده بإعطائها الضوء الأخضر لقواتها لاقتراف أبشع عملية تقتيل في حق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة نهاية سنة .2008 ولم تتحرك لا فرنسا ولا مصر نائبتها في هذا التكتل ولا أيا من الدول الأوروبية التي فرضت نفسها فرضا في هذا الاتحاد لوقف العدوان وبقيت في موقع المتفرج على أبشع مجزرة حددت إسرائيل ساعة تنفيذها وساعة توقيفها. وجعلت تجربة مأزق المياه في المنطقة العربية الأمين العام لهذا التكتل الإقليمي الأردني احمد المصادحة يقر بأن ما جرى في لقاء برشلونة قد يرهن مستقبل الاتحاد من اجل المتوسط في إشارة إلى احتمالات موته في مهده. وكان الرئيس الفرنسي صاحب مبادرة الاتحاد المتوسطي فشل العام الماضي بمناسبة الذكرى الأولى للاتحاد في عقد قمة لقادة الدول الأعضاء على أمل تحريك عملية السلام المتعثرة في منطقة الشرق الأوسط ولكن آماله خابت بعد أن عارضت إسرائيل الخطوة ومعها الولاياتالمتحدة التي قوضت كل دور للاتحاد من اجل المتوسط للعب دور في عملية السلام التي استأثرت بها الإدارة الأمريكية لنفسها على خلفية حسابات استراتيجية. ورغم الإصرار الأمريكي على الانفراد بكل قضايا الشرق الأوسط، إلا أن وزير الخارجية الاسباني ميغال انخيل موراتينوس راح يروج لمبادرة فرنسية مصرية جديدة لتحريك عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط. وهو رهان خاسر منذ البداية إذا راعينا تراجع الدور المصري في المنطقة خلال السنوات الأخيرة وأيضا لان الولاياتالمتحدة نفسها فشلت إلى حد الآن في إحداث هزة ولو طفيفة في مسار أثقل بمشاكله المتلاحقة. وهي الحقيقة التي أكد عليها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبيرت فيدرين الذي قال أن الاتحاد من اجل المتوسط إذا كانت نوايا إنشائه صادقة فإن طريقة عمله سيئ استعمالها كما أنه يفتقد إلى الطاقة والقوة التي تمكنه من تسوية نزاع معقد بحجم النزاع في الشرق الأوسط وشبهه ب ''برشلونة إضافي'' في إشارة إلى مسار برشلونة لسنة 1995 الذي فشل في إحداث حركية اقتصادية بين دول الجوار المتوسطي. ويبدو أن هنري غيانو مستشار الرئيس ساركوزي وصاحب فكرة استحداث هذا الاتحاد اقتنع أخيرا أن فكرته انهارت وسوف لن يكتب لها النجاح واقتنع أكثر بأن تعقيدات الوضع في الشرق الأوسط هي اكبر عقبة في طريق تجسيد فكرته وبعد أن أصبح الحوار بين الفرقاء بمثابة حوار طرشان.