بدأت أمس لعبة التحالفات تطغى على الوضع السياسي البريطاني تحسبا لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة خلفا لحكومة غوردن براون الذي فشل في الإبقاء على الأغلبية المطلقة في مجلس العموم التي تؤهله لتشكيل حكومة جديدة دون اللجوء إلى تحالفات مع الأحزاب الأخرى. وتمكن حزب المحافظين بقيادة ديفيد كامرون اول أمس من كسر هيمنة الحزب العمالي الذي تربع على كرسي الحكومة في قصر عشرة داونينغ ستريت لأكثر من 13 سنة من سلطة مطلقة ولكنهم لم يتمكنوا هذه المرة من الاحتفاظ بها بعد الصعود القوي لحزب المحافظين الذي تمكن أخيرا من الفوز على غريمه التقليدي. ولكن فوز المحافظين لم يتجاوز في آخر عمليات الفرز لأصوات الناخبين 294 مقعدا نيابيا من أصل 650 مقعدا بعيدا عن الأغلبية المطلقة التي تستدعي الفوز ب326 مقعدا في وقت تمكن فيه الحزب العمالي بالفوز ب252 مقعدا وهو الذي كان يحوز في المجلس السابق على 345 مقعدا بفارق كبير عن حزب المحافظين الذي كان يحوز على 193 مقعدا فقط وكان للحزب اللبرالي الديمقراطي 63 مقعدا. واعتبر عدد من المتتبعين للشأن السياسي البريطاني أن نتيجة حزب غوردن براون لم تكن متوقعة بالنظر إلى نتائج سبر الآراء التي لم ترشح حزب العمال بالفوز بهذا العدد من المقاعد الذي يؤهله لأن يبقى ورقة ذات أهمية بالغة في أية مشاورات لتشكيل الحكومة البريطانية القادمة. وإذا كان ديفيد كامرون قد عاد بحزب المحافظين إلى الواجهة بدحر غريمه السياسي إلا أن فوزه بقي بنكهة انتصار لم تكتمل وخاصة وانه سيكون مضطرا للبحث عن تحالفات مع أحزاب أخرى وهو ما يجعل حكومته اقل قوة من حيث حرية عملها بسبب تأثيرات وشروط الأحزاب التي ستقبل الانضواء تحت رايته في التشكيلة الحكومية القادمة. وحتى الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي كان يعول عليه لأن يكسر قاعدة هيمنة المحافظين والعماليين أو على الأقل احتلال مكانة ذات شأن في الساحة السياسية البريطانية لم يرق لأن يحدث المفاجأة المرجوة لدى أنصاره وباعتراف رئيسه نيك كليغ الذي لم يخف عدم رضاه على النتيجة المحصل عليها والتي لم تتجاوز 55 مقعدا فقط من إجمالي عدد المقاعد 650 المطروحة للتنافس. ورغم تراجع نتيجة حزبه إلى مجرد 55 مقعدا في انتخابات اول أمس تبدو ضئيلة في مسار حزب سياسي صاعد في أقدم الديمقراطيات العالمية إلا أنها أبقت عليه كقوة فاعلة في تحديد أي من الحزبين المحافظ أو العمالي سيقود الحكومة البريطانية القادمة. وإذا كان نيك كليغ لم يحسم بعد في الجهة التي سيتحالف معها مفضلا التريث حتى يتضح الموقف أكثر فإن ذلك لم يمنع غوردن براون من مغازلته علنا وتأكيد استعداده للدخول في تحالف سياسي معه لتشكيل حكومة جديدة لقطع الطريق على غريمه ديفيد كامرون. وهي الرغبة التي عبر عنها غوردن براون الذي يبدو انه يريد البقاء على رأس كرسي 10 داونينغ ستريت رغم أن كليغ أعلن صراحة انه مع فكرة عودة صلاحية تشكيل الحكومة إلى المحافظين حتى وان لم يفوزوا بالأغلبية المطلقة ويتعين عليهم تشكيل حكومة تمثل كل الشعب البريطاني إذا كان يريد تشكيل حكومة أقلية والاستغناء عن دعم الأحزاب الصغيرة الأخرى.