كيفية الحد من التسمم الغذائي، هي المشكلة التي تطرح على الدوام لاسيما في فصل الصيف، حيث تسعى المصالح المعنية وبعض الجمعيات إلى مواجهتها انطلاقا من تعريف المستهلك بدوره في مجال حماية نفسه.. وفيما سطرت وزارة التجارة في هذه الصائفة برنامجا لمراقبة المنتجات المهددة بالخطر الغذائي بإشراك11 قطاعا وزاريا، عززت مديرية التجارة لولاية الجزائر إمكانياتها البشرية والمادية من خلال رفع عدد أعوان المراقبة من 180 إلى 200 عون تم تزويدهم بالمزيد من آلات المراقبة العملية.. وفي المقابل تستعد بعض الحركات الجمعوية لإيصال رسائل التوعية إلى أماكن الاصطياف ومختلف المطاعم والمقاهي.. وبين هذا وذاك يطرح السؤال: من المسؤول بالدرجة الأولى عن التسممات الغذائية، التاجر أم المستهلك؟ بخصوص هذه الظاهرة كشف وزير التجارة السيد مصطفى بن بادة مؤخرا خلال الملتقى الوطني حول الأخطار الغذائية أن ظاهرة التسممات الغذائية تحظى باهتمام خاص من طرف السلطات العمومية، مما مكن من احتوائها إلى حد بعيد، حيث انخفضت الحالات من 7 آلاف سنة 2000 مع تسجيل 12 حالة وفاة إلى 4447 حالة، منها حالتا وفاة سنة .2009 وأضاف أن 60 بالمائة من الحالات ناجمة عن تسممات جماعية تسجل في الولائم وفي المطاعم الجامعية والمطاعم، حيث لا يمكن للأعوان مراقبة الأعراس والوجبات التي تقدم للطلبة. وهذه الحقيقة تشير إلى أن قلة الوعي غالبا ما تقف وراء التسممات الغذائية التي تكثر في فصل الصيف، في حين تظهر المعاينة الميدانية أن انخفاض الدخل له دور لايستهان به في تفشي الظاهرة.. فالأسماك تباع تحت شمس لاهبة، والياغورت، والأجبان، والزبدة والطماطم المصبرة تعرض دون وضعها في مبردات.. هي مشاهد يومية تعكس الافتقار لاحترام معايير البيع والعرض الصحي سواء في المحلات أو في الأسواق الموازية، فرغم وجود ترسانة قوانين تحرص على ضبط القواعد العامة لحماية المستهلك، إلا أن بين الواقع والغاية المنشودة هوة عميقة. تكشف المعاينة الميدانية في الأسواق العاصمية الفوضوية أن العديد من المواطنين يقتنون مواد سريعة التلف من أي مكان وفي شتى الظروف والشروط، وما ذلك إلا مؤشر على الافتقار إلى ثقافة مراقبة المواد الاستهلاكية. ويشير بعض المواطنين ممن يترددون على هذه الأسواق إلى أنه يمكنهم التعرف على المنتوج الفاسد بالعين المجردة. كما يرى البعض أن ضعف القدرة الشرائية هي التي تدفعهم إلى البحث عن أسعار تناسب جيوبهم في الأسواق الفوضوية، حيث أن معظم الباعة من الشباب البطالين الذين لا يملكون إمكانيات لشراء شاحنات التبريد فيكتفون باستخدام الشمسيات لحماية سلعهم من أشعة الشمس.. وفي هذا الصدد يقول بعضهم إنهم حريصون على مراقبة تاريخ انتهاء الصلاحية وأنهم يضعون سلعهم في الثلاجة كل مساء. كما أن قلة الوعي والإمكانيات والجهل هو ثالوث يتسبب في انتشار ظاهرة بيع الأسماك بعد الساعة العاشرة صباحا، رغم أن ذلك يعرضها للتعفن.. والحديث يطول. على التاجر أن يتحلى بالضمير الأخلاقي وفي الموضوع يقول السيد مالك كماش رئيس مصلحة المراقبة والمنازعات بمديرية التجارة لولاية الجزائر ''تحسبا لهذه الظاهرة التي تستهدف صحة المستهلك عززت مديرية التجارة خلال هذه الصائفة الإمكانيات البشرية والمادية، حيث تم رفع عدد أعوان المراقبة من 180 إلى 200 على مستوى العاصمة، فضلا عن الترمومتر الذي يسمح بمعرفة مدى التزام التجار باحترام شروط التبريد، كما قامت المديرية بتزويد مصالحها الخارجية بالمزيد من الأجهزة التي تمكن من إجراء تجارب أخذ العينات والقيام بالتحاليل على المنتجات الغذائية منها زيت القلي المستعمل، وإظهار النتائج بصفة فورية''. ويوضح المسؤول أن برنامج المديرية المسطر يركز على هدفين هما: تكثيف المجهودات لمراقبة الخدمات التي يطلبها الناس صيفا على غرار الطعام الجاهز، وكذا التركيز على التدخل في المناطق الساحلية للتصدي لظاهرة عرض المواد الاستهلاكية سريعة التلف تحت الشمس، بالموازاة مع تنظيم أبواب مفتوحة في المراكز الثقافية بالعاصمة. وحسب السيد مالك كماش رغم أن الإحصائيات الرسمية تكشف أن نسبة التسممات الغذائية في تراجع، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة وجود عدة حالات غير معلن عنها تسجل بصفة خاصة في الأعراس والمطاعم الجامعية. وردا عن السؤال من المسؤول بالدرجة الأولى عن التسممات الغذائية، يقول رئيس مصلحة المراقبة والمنازعات بمديرية التجارة ''برأيي فإن التاجر هو الذي يتحمل مسؤولية هذه الظاهرة التي تعود غالبا إلى عدم احترامه لشروط النظافة، التبريد والصحة عموما، إذ غالبا ما يكون اللحم الفاسد والمايونيز المقدم في محلات الأكل الخفيف وحلويات المخابز وراء حالات التسمم في الصيف، في حين يتحمل المستهلك المسؤولية بالدرجة الثانية نظرا لإقباله على اقتناء مواد استهلاكية معروضة تحت الشمس بسبب غياب الوعي''. ويضيف ''نود أن نقول إنه للحد من حوادث التسمم الغذائي أو الأمراض الغذائية يلزم اتباع ما يلي: على المستهلك أن يكون مراقبا بالدرجة الأولى، لأن الأضرار تقع عليه بالدرجة الأولى، وهو ما يتوقف على التأكد من سريان فترة الصلاحية، وتجنب العبوات التالفة أو العلب التي ظهرت عليها مظاهر الانتفاخ والصدأ، ومن المهم أن يمتنع المستهلك عن اقتناء المواد الاستهلاكية سريعة التلف المعروضة تحت أشعة الشمس الحارقة''. ويشدد المتحدث على ضرورة تحلي التاجر بالضمير الأخلاقي من خلال احترام شروط التبريد والنظافة مع إخضاع عماله لفحوصات طبية. الأفراح مصدر أقراح المعدة وبالنسبة للسيد سعيد قبلي الأمين العام الوطني المكلف بالشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام للتجار الجزائريين، فإن المستهلك هو المسؤول الأول عن التسممات الغذائية، كون العديد من المواطنين يقبلون على اقتناء المواد الاستهلاكية في أي مكان دون التفريق بين التاجر وغير التاجر، وهذه الظاهرة السلبية تتنامى بشكل ملفت خلال موسم الاصطياف، حيث يكثر الإقبال على الباعة المتجولين وفي مختلف الشواطئ لشراء مواد استهلاكية معروضة تحت الشمس.. كما يفضل البعض اقتناء الشاي من عند الباعة المتجولين أيضا دون أن يسألوا أنفسهم عن شروط إعداد هذا المشروب ومدى مطابقته لمقاييس الصحة والنظافة. وينبه السيد سعيد قبلي إلى أن الأعراس وحفلات النجاح الدراسي تعد من أهم مصادر هذا الخطر الغذائي، حيث جرت العادة أن تتولى النسوة إعداد وجبة المناسبة في الصباح الباكر، المتمثلة تبعا للعادات المتوارثة في طبق الكسكسي باللحم إضافة إلى الحلويات، في حين يؤكد الأطباء أن الكسكسي يمكن أن يفسد بعد ثلاث ساعات من إعداده في موسم الحرارة. وعلق المصدر على قانون حماية المستهلك الذي فرض عقوبات بالحبس والغرامات المالية على التجار قائلا: ''الردع ليس حلا عمليا لمواجهة ظاهرة التسممات الغذائية بل قد تكون له نتائج عكسية، لذا أعتقد أن المسألة بحاجة إلى الإرشاد بدلا من العقوبات. ومن باب التوعية سطر الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين بالتنسيق مع الكشافة برنامجا تحسيسيا يعتمد على توزيع ملصقات على عامة الناس في شواطئ العاصمة ومختلف الولايات الساحلية، كما سيتم وبالتنسيق مع البلديات تحضير برنامج خاص بالصيف ورمضان المعظم، يقوم على التوعية في المطاعم والمقاهي لتبليغ الرسالة إلى أكبر قدر ممكن من المستهلكين والتجار على حد سواء. وعلى الرغم من تعدد الهيئات والمنظمات المسؤولة عن سلامة الغذاء، إلا أن هذا لا ينفي مسؤولية المستهلك.. والسؤال هو: كيف للمستهلك أن يشارك الجهات الرسمية في الحد من حوادث التسمم الغذائي؟ نشر الثقافة الاستهلاكية يجيب السيد زكي حريز رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين ''يبدأ دور المستهلك في حماية نفسه من التسممات الغذائية مع بداية التفكير في التسوق، وهو أمر مرهون بنشر الثقافة الاستهلاكية الواعية'' وفي هذا الصدد يوجه السيد حريز نداءه إلى وزير الاتصال لتكريس نشر هذه الثقافة عن طريق مختلف وسائل الإعلام، لاسيما السمعية البصرية التي يمكنها أن تخصص برامج أسبوعية لا تتجاوز مدتها 10 دقائق لإطلاع المستهلك على طرق التفريق بين المنتوج الغذائي المطابق لشروط الصحة وغير المطابق، مشيرا إلى أن مسؤولية التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة لحماية صحة المستهلك مشتركة، حيث تقع على عاتق كل من السلطات العمومية، المجتمع المدني ووسائل الإعلام. ويقول ''صحيح أن المستهلك الجزائري بدأ يكتسب نصيبا من الثقافة الاستهلاكية، وهو ما يتجلى من خلال الأسئلة التي صار يطرحها في المقاهي والمطاعم حول نوعية الماء المستعمل وأمور أخرى، لكنها ليست كافية لضمان الحماية، لذا ننصح المستهلك بأن يشتري المواد الغذائية من المحلات التجارية ذات السمعة الجيدة والمحلات التي تهتم بنظافة المحل وتخزين الغذاء بصورة جيدة، وأن لا يكون جل اهتمامه البحث عن السلع رخيصة الثمن مهما كانت قدرته الشرائية ضعيفة.. فقبل أن يتجاوز الخطوط الحمراء عليه أن يتذكر أن هناك تكاليف خفية قد يدفعها مستقبلا للمعالجة، لاسيما وأن بعض الأمراض طويلة المدى على غرار السرطان وتفتك بالصحة للأبد''. وعلى ضوء تجربته الشخصية في مجال حماية المستهلك يرى رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين أن مسؤولية حوادث التسمم الغذائي تعود في المقام الأول إلى التاجر الذي يعرض مواد استهلاكية غير مطابقة للمواصفات الصحية.. وهي مسألة يتحكم فيها الجشع في بعض الأحيان، غير أن قلة الوعي تبقى السبب الرئيسي، بدليل أن بعض التجار يقدمون سلعهم في المساء لأفراد أسرهم. وخلاصة الموضوع هي أن سلامة الغذاء ليست مسؤولية الجهات التشريعية والرقابية فحسب، بل إن هناك أطرافاً عديدة يجب أن تشارك في تحقيق هذا الهدف كل في حدود معرفته ومسؤوليته، بعد أن صار جليا أن قلة الوعي بطريقة التخزين والتحضير، تلوث مواطن إنتاج الأغذية، بالإضافة إلى زيادة ارتياد الناس المطاعم الذي يزامنه وجود عمالة غير مؤهلة للعمل في هذا القطاع من العوامل التي تجعل فرصة التعرض لحوادث التسمم أكبر.