تؤكد التحركات الدبلوماسية العربية العالية المستوى التي شهدتها العاصمة اللبنانية خلال اليومين الأخيرين أن الوضع ينذر بخطر محدق واستدعى تنقل ملوك وأمراء ورؤساء عرب إلى بيروت لاحتوائه قبل انفراط عقد الود الذي طبع علاقة الحكومة والمعارضة منذ أشهر. فبعد الملك عبد الله آل سعود والرئيس السوري بشار الأسد حل أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالعاصمة اللبنانية ''لعقد لقاءات'' مع المسؤولين اللبنانيين ومعاينة قرى جنوب لبنان التي دمرها العدوان الإسرائيلي سنة 2006 وتكفلت بلاده بإعادة إعمارها. وإذا كانت هذه الزيارة التي تدوم ثلاثة أيام لها علاقة فعلا بإعادة الإعمار فإن جوهرها يبقى الوضع السياسي العام في هذا البلد والذي بدأ يتململ على خلفية مضمون قرار الاتهام لمحكمة الجنايات الدولية حول لبنان والذي سرب بطريقة مقصودة أو عفوية حول تورط أعضاء في حزب الله باغتيال رفيق الحريري الوزير الأول اللبناني الأسبق في فيفري سنة .2005 وقد أدت هذه التسريبات إلى إحداث حالة استنفار ليس فقط في لبنان وبين مختلف تشكيلاته السياسية والطائفية ولكن عدواه تخطت الحدود اللبنانية إلى دول الجوار وكل المنطقة التي تحركت بسرعة في مهمة للطمأنة واحتواء الوضع في حدوده الحالية. واقتنع اللبنانيون ومعهم الدول العربية أن أي اتهام لحزب الله بمسؤوليته في عملية الاغتيال سيؤدي حتما إلى فتنة طائفية ستنتهي بحرب غير محسوبة العواقب ولكن المؤكد أنها ستكون أدمى من حرب سبعينات القرن الماضي وأكثر ضراوة من تلك التي وقعت قبل سنتين من الآن. وهي الأزمة الطائفية التي لعبت فيها الدولة القطرية دورا محوريا لاحتوائها وهو ما يفسر زيارة الأمير حمد بن سلطان آل ثاني إلى بيروت لإصلاح ذات البين اللبناني. ولم يخف نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله قبل أيام أن حزبه من حقه الدفاع عن نفسه بكل الوسائل المتاحة في رسالة حملت كل القراءات الممكنة بينما أكد علي فياض نائب الحزب في البرلمان اللبناني أن اللبنانيين سيتصرفون بحكمة خلال الأسابيع الحاسمة القادمة دون أن يحدد طبيعة هذا التصرف. وهي التصريحات المتأججة التي جعلت الرياض ودمشق تتناسيان خلافاتهما الثنائية والتحرك على الساحة اللبنانية بالسرعة القصوى قبل انفلات الأمور بالاتجاه الأسوأ وخروجها عن نطاق السيطرة. ولكن هل ستنجح الوساطات العربية المختلفة في مهمة وقف نار فتنة بدأت تلوح في الأفق اللبناني وبدأت بوادرها قبل الأوان وقبل أن تكشف المحكمة الدولية عن قرار اتهامها النهائي شتاء العام الجاري. قد يصعب إعطاء إجابة مسبقة على مثل هذا التساؤل رغم أن الصحف اللبنانية أجمعت القول أمس أن قمة بيروت بين الرئيس سليمان والملك عبد الله والرئيس الأسد فشلت في معالجة جوهر الأزمة الراهنة بما يعطي الاعتقاد أن تأزما قادما أصبح يهدد البيت اللبناني وأن القمة الثلاثية لم تكن إلا مجرد مهدئ لوضع سياسي غير مستقر.