ما يزال إحياء حفلات الزفاف بطريقة تقليدية قائما ببعض جهات الوطن، ذلك لأن أهاليها مازالوا متشبثين بها ومحافظين على عادات الأسلاف المميزة، حيث تتخذ الأفراح طابع أيام زمان.. عادات وتقاليد حفلات الزفاف استرجعناها من خلال الحديث مع بعض العارفات والمتمسكات بطقوس الماضي العريق بمنطقتي المنيعة ووادي سوف. الخطبة، فالتشاور وتحديد موعد الزفاف والمهر.. على هذا النحو تتم مراحل الزواج في مدينة المنيعة التابعة لولاية غرداية.. ومباشرة بعد قرار المصاهرة تشرع كلا العائلتين في فتل الطعام بكميات كبيرة تكفي كل سكان البلدة.. كما جاء على لسان السيدة فاطمة الزهراء، ابنة المنيعة. وقبل العرس بأسبوع وبالتحديد في ليلة الجمعة يقرأ أهل العروسين الفاتحة، ويتم بالمناسبة إعداد مأدبة عشاء.. وبعد العشاء ينصرف الرجال فاسحين المجال للنسوة اللواتي يحضرن الموعد في موكب ''حاملات العدل'' وهو قفة تضم فستانا وحذاء للعروس، السكر والشاي وكذا الفول السوداني.. وزيرة لكل عروس في المنيعة! تستقبل أم العروس الموكب بالزغاريد والعطور -تقول محدثتنا - ليجتمعن إثرها على مائدة الشاي والفول السوداني، والتي لا تخلو من الأغاني والمديح، وفي الصباح يكون أهل العريس مع موعد مع عادة ''الدفع'' التي تقتضي تقديم ملحفة حمراء للعروس ولباسا لوالدها، إضافة إلى الحناء، السكر، القهوة، الشاي والكبش... وخلال هذا الموعد ترتدي العروس ملحفة وتضع على كتفها قطعة قماش بيضاء تربط فيها سرة البخور والسكر. علما أن العروس تكون مصحوبة خلال فترة العرس ب ''الوزيرة'' أو ''الماشطة'' كما تسمى في بعض المناطق، حيث تتولى تسريح شعرها وفق الطريقة المعهودة في المنيعة، وإلى جانب ذلك تتزين العروس بالكحل والسواك ويغطى وجهها ب''المختوق'' أو ما يعرف ب ''الذارية'' بعد أن ترتدي الحلي الفضية على غرار الخلخال. وفي يوم الزفاف تتناول العروس أكلة خاصة تتمثل في ''رفيس الرقاق'' المصحوب بكوب من الحليب... وبعد صلاة المغرب يصل الموكب المنتظر لاصطحاب العروس إلى بيت الزوجية.. تصعد العروس إلى ''الهودج'' مرفوقة بصبي تقوم بقرصه اتباعا للتقاليد التي تعتبر هذا الأمر فأل خير. مباشرة بعد وصول الموكب تدخل العروس إلى خيمة تتكون من قسمين، يسمى القسم الأول ب''الحجبة''، هو القسم الذي تجلس فيه العروس، أما القسم الثاني فيجلس فيه أصدقاء العريس للاستمتاع ب ''تقصرة'' أو الغناء والمديح المحليين. وعندما يحين موعد دخول العريس إلى ''الحجبة'' يوضع حبل عند المدخل فيحمل بيده الأولى السيف ليقطع الحبل وبيده الثانية منديل والدته إعلانا عن تطليق حياة العزوبية ورضا الوالدين. وبعدها يأتي دور والدة العريس التي يتعين عليها أن تقدم كوبا من الحليب لكنتها به خاتم من الفضة وبعض حبات التمر.. وفي خطوة موالية يفرغ على رأس العروس إناء يحتوي على المكسرات والحلوى والحمص وبعض الحبوب.. وفي هذه الأثناء تنشغل الفتيات المدعوات بالتقاط محتويات الإناء أملا في العثور على شريك الحياة مباشرة بعدها. أسبوع بعد الزفاف يلتقي أهل العروسين مجددا في موعد آخر من الفرح يتميز بإعداد وليمة عشاء على شرف الزوجين الجديدين.. وأخيرا يتم سحب الراية التي علقت منذ أول يوم من العرس في منزل العريس إعلانا عن نهاية العرس. رقصة ''الرداسي'' للزواج في وادي سوف أما في وادي سوف، فتخطب الفتيات في الأفراح عن طريق عادة ''الرداسي''.. وهي عبارة عن وقوف صف من الفتيات العازبات مقابل صف من الشباب العازبين وبيدهم قارورات عطور.. وعندما يعطي بعض المسنين إشارة انطلاق رقصة ''الرداسي'' تبدأ الفتيات في عمليات ''النخ''، وهي اطلاق الفتيات لشعورهن والتمايل برؤوسهن يمينا ويسارا، وبمجرد أن يقع اختيار أحد الشباب على إحدى الفتيات يتوجه نحوها ويفرغ زجاجة العطر على رأسها، ليعلن بذلك عن اختياره لشريكة الحياة. وتبدأ طقوس العرس بعد الخطبة الرسمية وتحديد المهر وموعد الزفاف، ومن عادة أهل مدينة وادي سوف أن يبدأ العرس رسميا يوم الأربعاء، بحيث يحضر أهل العريس ''الجرية'' أو ما يعرف ب''الدفوع'' أو ''الطبق''.. وفي هذا اليوم يقام حفل لأهل العريس دون أن تظهر العروس التي تدخل في فترة ''التستت'' أو ''التقلاش''، حيث يقوم أهلها بتدليلها وتوفير شروط الراحة، كما ترتدي ثيابا رمادية اللون ولا تخرج من غرفتها. ولما يغادر أهل العريس منزل العروس في الليل تقوم الأم بوضع ''الفتول''، وهو ضفر شعر العروس بواسطة خيطين أحدها أحمر والآخر أخضر مع صبغ شعرها بالحناء والقرنفل وماء الزهر، وتحصل كل قريباتها على باقي الفتول الذي يعد بمثابة فأل خير بالنسبة لهن.. وتتميز هذه الليلة بترديد النسوة لبعض الأشعار. وفي يوم الخميس تتوجه الفتاة المقبلة على الزواج نحو الحلاقة رفقة أهلها وقريباتها، وبعد تسريح شعرها ترتدي فستان الزفاف بصالون الحلاقة، ولا تتجرد منه إلا بعد دخولها إلى بيت الزوجية كما جرت العادة. وعندما تعود إلى بيت أهلها تجد طبقا خاصا في انتظارها يسمى ''المرفوسة''، وهو عبارة عن فطير ممزوج بالزبدة والعسل وماء الزهر.. وتستمر أجواء الفرح في بيت العروس إلى ساعة متأخرة من النهار ليحين أخيرا موعد الذهاب إلى بيت الزوجية بعد مأدبة العشاء.. ولما تشرق شمس الصباح يقام فرح كبير على شرف العروس وأهلها الذين يزورون أهل العريس محملين بطبق الشخشوخة وفقا لما تمليه عادات وادي سوف.