اندلعت الثورة التحريرية بامكانيات مادية تكاد تكون مساوية للصفر، وبما أن السلاح والمال هما عصبا أية ثورة تهدف للنصر، فإن السؤال الذي توقف عنده كتاب ''الثورة الجزائرية ومشكلة السلاح'' لسعيدي وهيبة هو كيفية تمكن جيش التحرير الوطني من تسليح الثورة؟ وما هي الطرق والوسائل التي مكنته من مجابهة جيش عصري يفوقه عدة وعددا؟ هذه التساؤلات وغيرها تمت الإجابة عنها في 4 فصول تضمنها الكتاب وتناولت المؤلفة في الفصل الأول المرحلة التحضيرية التي سبقت تفجير الثورة وكيفية جمع وتدبير السلاح لأول مرة لاستعماله في تفجير هذه الثورة في مختلف الولايات. تعرض الفصل الثاني إلى منهج العمل الذي اعتمدته جبهة التحرير الوطني لحل مشكلة نقص السلاح على مستوى الداخل والخارج في آن واحد. في الفصل الثالث تناولت المؤلفة أهم العراقيل التي واجهها التسليح مما ساهم سلبا في مسيرة الثورة التحريرية في فترات معينة. وتمت في الفصل الأخير المقارنة، بين الجيشين الفرنسي والجزائري لتوضيح مدى تمكن المجاهدين قليلي العدد والعدة من قهر جيش فرنسي عصري. تحدثت المؤلفة في معرض تقديمها عن الأسباب والظروف التاريخية التي دفعت الجزائريين إلى الثورة المسلحة مركزة خاصة على فترة النضال السياسي وسياسة المطالب التي لم تجد نفعا مع فرنسا وكذلك أحداث 8 ماي 1945 التي أوصلت الجزائر شعبا ونخبة إلى قناعة الثورة وأن القوة لا تقابلها إلا القوة. للإشارة فإن أكبر مشكلة واجهتها جبهة التحرير في بداية الثورة هي كيفية الحصول على أسلحة، وإقناع الشعب بأن السلاح متوفر حتى لا يفقد هذا الشعب (قاعدة الثورة) حماسه وعزيمته وكان على الجبهة الرد على بعض المشككين الذين أحرجوها بأسئلتهم منها مثلا سؤال''بأي شيء ستحاربون فرنسا؟'' و'' أنكم تذهبون بالشعب إلى الموت'' ولم تجد الجبهة في بداياتها من حل سوى جمع الأسلحة الموجودة عند الأهالي وهي في الغالب بنادق صيد أو شراء بعض قطع السلاح بطرق سرية ومن ثم فلم تكن لجيش التحرير أسلحة ولا ذخيرة حربية تذكر.بالرغم من عدم وجود التكافؤ ومن جميع النواحي بين الجيشين الفرنسي والجزائري إلا أن هذا الأخير فرض نفسه بالرغم من أنه ولد مع اندلاع الثورة ونشأ ونما خلال مراحلها وأثبت للعالم أنه جيش منظم له قيادة خرجت من صفوف الشعب كما أن الحرب كانت بمثابة المدرسة الحقيقية لتكوينه. يسرد الكتاب شهادة أسيرين فرنسيين وقعا في قبضة المجاهدين ضمن مجموعة تتكون من 16 أسيرا ليصرحا للصحافة عن المعاملة الطيبة التي لقياها قائلين بعد إطلاق سراحهما في بداية سنة 1959 ''لقد كنا نظن أننا وقعنا بين أيدي عصابة من القتلة، ولكننا اكتشفنا جيشا نظاميا وضباطا ملتزمين بالصرامة والعزيمة، ورأينا وحدات مسلحة بأحدث التجهيزات، والتقينا بتقنيين مختصين في صناعة الأسلحة وإصلاحها وبغيرهم من الضباط الذين لا يضمهم إلا جيش منظم حديث''. على العموم فإنه - حسب المؤلفة - لا قيمة للسلاح إلا بالرجال الذين يحملونه والبنادق في يد جنود الثورة كانت أقوى من الدبابات في يد العدو. جنود جيش التحرير لم يبلغوا يوما وخلال جميع مراحل الثورة مستوى قوة الاستعمار من ناحية التسليح. وقد عانى هؤلاء الكثير من المآسي بسبب نقص السلاح وذخيرته إلى درجة أن أحدهم عندما يستشهد يؤسف على ضياع سلاحه أكثر مما يؤسف على موته وإلى درجة مثلا أن بعض قوافل جلب الأسلحة تمشي تقريبا بدون سلاح اللهم إلا من بعض القطع، غير أنهم وبما حصلوا عليه من سلاح عرفوا كيف يستغلونه لانجاح الثورة وخلال ظرف قصير جدا مقارنة بالدهر الذي مكثه الاستعمار في بلدهم، واستطاعوا بتضحياتهم التي لم يدفعها أي شعب من شعوب الأرض (حوالي 27 شهيدا تقريبا كل ساعة)، ليصبح الاستعمار مجرد خرافة بعد أن قهرته بندقية صيد.