صدر العدد الثالث من مجلة ''معالم'' التي تصدر عن المجلس الأعلى للغة العربية، المجلة التي تهتم بالترجمة سدت فوجة كبيرة كانت تعاني منها حقول المعرفة والثقافة، وفتحت بذلك بابا على العالم الخارجي من أجل تهوئة الساحة الثقافية وترك التيار يمر ويجدد الأكسجين المعرفي وينعشه، وذلك من خلال اختيار مواضيع معرفية في شتى حقول الفكر من فلسفة وأدب وعلوم وترجمتها وتقديمها للقارئ والباحث في شكل وجبات ساخنة شهية من خلال فريق من المترجمين المبدعين تم اختيارهم لقدرتهم على تطويع اللغات والنصوص الأدبية والأجنبية وتقديمها في طبق عربي متقن. الثوب الجديد الذي ظهر به العدد الثالث من ''معالم''، تجلى في النصوص المنتقاة والتي لامست الواقع وتعدته الى المتوقع، حتى تخرج من الدوران حول ذاتها وتناول مراحل من تاريخنا الثقافي والهيمنة الثقافية، بل وتعاطى ثقافتنا من خلال رؤى غير رؤانا التي تتضح في الاستشراق، وهذا ما نطالعه في افتتاحية العدد بقلم الأستاذ بقطاش مرزاق تحت عنوان ''الخروج من الدائرة الخطيرة''. وفي وضمات تاريخية مستعجلة، بل بسؤال يطرحه واقعنا علينا ويبقى يتردد مع التردي الذي يلازمنا يتساءل الأستاذ مزراق: ''أين نحن اليوم، والى أين تمضي بنا قافلة الحياة في هذه الجزائر، وفي العالم العربي الإسلامي؟''، سؤال مفتوح متعدد الإجابات والكل يجتهد من أجل وضع الأصبع على الجرح، ولا يمكننا هذا إلا إذا فحصنا تاريخ الداء، ومن هنا ينطلق جواب مرزاق بقطاش بالقول : '' لقد كنا طيلة العقود الماضية، ولأسباب تاريخية معروفة مستلقين على طاولات التشريح في العالم الغربي، هذا يحكم علينا بالموت، وذاك يقول عنا إن هناك بقية من روح في تضاعيف بدننا... ولعل الاستشراق من حيث هو نهج فكري وسياسي في العالم الغربي كان يطاردنا أنى حللنا وارتحلنا، ماضيا، وحاضرا ومستقبلا، بحكم أنه كان في معظم الأحيان العقل المفكر للحركات الاستعمارية الأوربية...''. والخروج من هذا الوهن وهذا الوباء، يراه مدير تحرير مجلة ''معالم'' هو : ''أننا محبرون على أن نضع أقدامنا بكل قوة في هذا الزمن، أن نفكر فيه، أن نصوغه على غرار ما يفعله الآخرون، وألا ندع أحدا ينوب عنا في كل ما يتعلق بشؤوننا حتى وإن كانت أفكاره إيجابية حيالنا وحيال تاريخنا كله''.فإذا كانت مقدمة العدد خارطة وضعت لطريق الموضوعات التي يحتويها، فإن المدخل كان مفتاحه موضوع ''الاستشراق ماضيا وحاضرا، مدخل إلى نقد ما بعد الكولونيالية'' النص لتوبياس هوبينات (قسم اللغات الشرقية جامعة استوكهولم) نقلته الى العربية إيمان بقطاش.أما الأديب إبراهيم سعدي فقد نقل لنا إلى العربية نص جان بول شارنيي ''مستشرقون ومستغربون''. ونطالع في هذا العدد أيضا، موضوع ''الاستشراق: رحلة في المغامرة البكر'' ترجمة جيلالي نجاري. أما الاستاذ مرزاق بقطاش فقد اختار نصا ل: و.ج. ت ميتشيل '' صديقي إدوارد سعيد، صاحب الضمير النقدي''. ومن جانبه الأستاذ عبد العزيز بوباكير اختار لنا موضوعا يتناول الأدب الجزائري المترجم إلى الروسية. أما رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، الدكتور محمد العربي ولد خليفة، فقد اختار لقراء ''معالم'' نصا لألبير ميمي تحت عنوان: ''الوطن الأدبي للمستعمر'' (بفتح الميم). الأديب الأستاذ أزراج عمر ترجم لنا ''حوار مع الفيلسوف الأمريكي: جون سيرل، أجراه معه الفيلسوف البريطاني براين ماجي''. ومن المواضيع التي اختارها الأستاذ محمد يحياتن، نص لحلويس جان كالفي ''الآثار اللغوية للعولمة''. وفي ذات الموضوع اللغة اختارت لنا الأستاذة بغزو صبرينة ''طبيعة اللغة'' (نص نقلته عن جورج يول).يوسف مقران نقل لنا إلى العربية موضوعا تحت عنوان ''في سبيل تجريد اصطلاحي منتظم''. كما تناول العدد موضوعات في التاريخ الأدبي، وحول العلامة المسرحية والتعددية الثقافية في خدمة الحريات. العدد من القطع الكبير يتوزع على 173 صفحة ومزين في ظهر غلافه بلوحة ''أوجين دو لا كروا ''نساء الجزائر''.