الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وعدّد ألسنته فتنوّعت معارف البشرية وتوسّعت فوائدها واختلفت حضارتها وإنتاجاتها العلمية، ونظرا لأهمية هذه المعارف وتلقّحها عن طريق الترجمة، فكّر المجلس الأعلى للغة العربية، ثم تدبّر، ثمّ قرّر إصدار ثمرة علمية إنسانية، دانية القطوف، حلوة الثمار، تساعد على إعمار الفكر وتشكيله بالعديد من المعارف حتى يساهم بدوره ويخطو خطوات جديدة نحو الابتكار والتوسّع والإنتاج، هذه التي تشتغل على ساحة الترجمة اختير لها اسم "معالم" أي أنّها مع العالم، وهاهي الفكرة تتحوّل إلى حقيقة، والبذرة إلى سنبلة طيّبة تستهوي الزراع، ألف مبروك للجزائر على هذا الإنجاز الفكري الذي قيضت له قمما من علمائها ودررا من أقلامها من أجل ترقيتها وتحقيق طموحاتها المشروعة للمساهمة في الحضارة الإنسانية وكذا الاقتباس منها . طاقم مجلة "معالم" من خيرة الأقلام الجزائرية الأدبية منها والأكاديمية والتي تشتغل على ساحة الترجمة العلمية والفكرية والأدبية، فمديرها المسؤول هو الدكتور محمد العربي ولد خليفة عالم الاجتماع المشهور والذي يتقن أكثر من لغة حية إلى جانب اللغة العربية والأمازيغية وهو رئيس المجلس الأعلى للغة العربية. العدد الأوّل من مجلة "معالم" تميّز بالافتتاحية التقديمية للعدد ولفكرة هذا المولود منذ أن كانت نطفة فكرية إلى غاية أن تحوّلت إلى عدد سويّ وقد حبر المقدّمة الدكتور محمد العربي ولد خليفة المدير، وجاء في مستهل افتتاحية العدد قول رئيس المجلس: "هناك مشروعان على درجة كبيرة من الأهمية سعت نخبة من أهل الفكر والذكر لإنجازهما في جزائر ما بعد التحرير، أوّلهما إنشاء مؤسّسة موسوعة الجزائر في كلّ العصور تكون مستقلة، وتساهم في تحريرها كفاءات من أعلى مستوى، تصدر مجلداتها دوريا بالعربية". أمّا المشروع الثاني فيتمثّل في بناء مؤسسة وطنية للترجمة مستقلة أيضا، تتخصّص في نقل التراكم العلمي والإبداعي من مختلف اللغات، وتكون أشبه ببنك يتزوّد برصيد متنوّع متجدّد، يجد فيه الكتّاب والباحثون نوافذ مفتوحة على ثقافات العالم بلغة الضاد". وقد نوّه الدكتور العربي ولد خليفة مطوّلا بالمجهودات العلمية لكلّ من الدكتورين الألمعيين، الدكتور حنفي بن عيسى رحمه الله والدكتور أبو العيد دودو اللذين كرّمهما المجلس الأعلى للغة العربية. وقد ختم افتتاحية العدد الدكتور العربي ولد خليفة لمجلة "معالم" بنداء دعا فيه "كل المبدعين في ابستمولوجيا علم الترجمة واللسانيات والسيميائيات والدراسات الحديثة في فروع المعرفة العلمية والاجتماعية وفنون الإبداع والجماليات لتكون جسرا متينا لحوار الثقافات، ومعلما على طريق التثاقف المتبادل مع العالم كما يرمز إليه اسمها، ورسم حروفها (معالم) نأمل أن تشارك فيها أقلام جزائرية، ومن المشرق، والمغرب، ومن المبدعين في فنون الترجمة من شتى أنحاء العالم" . المجلّد الأوّل من مجلة "معالم" احتوى خمسة مواضيع رئيسية هي "الثقافة والترجمة" وهو عبارة عن نصّ لسوزان باسنت الأستاذة بمركز الترجمة والدراسات الثقافية المقارنة بجامعة (ورك) في إنجلترا، قام بترجمة النص الأستاذ الأديب مرزاق بقطاش مدير تحرير المجلة وهو (النص) إجابة عن سؤال "لماذا تتّخذ الدراسات المتعلّقة بالترجمة منحنى ثقافيا؟"، أمّا الموضوع الثاني من العدد فقد تركّز على البحث في المكوّنات الديناميكية للتبليغ ترجمه إلى العربية الأستاذ رشيد بن مالك والنص لبيرنار بوتي، فيما تناول الموضوع الثالث "علم النفس اللغوي ولغة الإشارات"، عن نص لفرنسوا جروسجين، نقله إلى العربية الأستاذ السعيد بوطاجين، الموضوع الرابع يحمل عنوان "الرأي العام غير موجود" وهو نص لبيار بورديو ترجمه إلى العربية الأستاذ رضوان بوجمعة، الموضوع الخامس في العدد هو "العلوم في بلاد الإسلام بين إرث الأولين والتلقي الأوربي" وهو نص للأستاذ أحمد جبار وترجمه إلى العربية الأستاذ الأديب إبراهيم سعدي. واحتوى العدد في مجمله بالافتتاحية 12موضوعا في مختلف أنواع الترجمة وبأقلام مختصة وبارزة، وهو من القطع الكبير على 188صفحة.