كل شيء يحط عليه بصرك إلا ومفعول السحر أثر فيه، حيث لا يمكن إزالته إلا بإحالته على سحر آخر أكثر تأثيرا وجاذبية مما سبقه، تلمس بسمعك وبصرك، بل بكل حواسك موسيقى تسلك أنسجة الضوء وتغزل الصورة، وتطير على جناح ألوان مغردة ومسبحة فتشهد لها بالجمال، وتقر لها بسمو الفن، هو الخط، هي الزخرفة والمنمنمات التي تجوب بك الحضارة الإسلامية من الهند وباكستان إلى إيران وتركيا والعراق واليمن والأردن وتونس، وتحط بك في قصر أسطوري مرصود من أساطير ألف ليلة وليلة، قصر مسكون بالفن وبين مسامه يستوطن التاريخ، قصر ''مصطفى باشا'' حيث تخلل الضوء الفن وتحول الحبر إلى لون وبدأت الكتابة بفتح أبواب الروح حيث تطير في آيات الله، وذلك من خلال المعرض الجماعي للخط والزخرفة والمنمنمات الذي تحتضنه الجزائر من 16 الى 21 أكتوبر الجاري بمشاركة 16 دولة عربية وإسلامية وأوروبية. في حي، بل في مدينة تحفة طالما ألهمت الفنان الكبير محمد راسم وجعلته يصنع حدائق النور ويعبر إلى الخيال على جسور القزح إلى المثال والأسطوري، ربما هي قصور ألف ليلة وليلة وحسنواتها الإنسية والجنية تسكن هنا ببلدة المدينة الأسطورة مدينة القصبة العتيقة، ومن هنا تشامخت منارات كتشاوة ومآذنه وقبالته الجامع الكبير والجوامع والقصور الأخرى التي تسلق مرتفعات القصبة بكبرياء وشموخ في تناغم وانسجام وتواضع يلامس السماء بصوت المآذن والمدارس والباعة. في هذه الأجواء الأسطورية استيقظت الجزائر ذات تاريخ لتلقي على الشمس بردها وتغزل للبحر برنوسه الأبيض كجناحي حمامة. قصر مصطفى باشا الذي تحول إلى متحف للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، ها هو يستقطب فنون المنمنمات والزخرفة ويستأثر بعباقرة الخط ويقيم لهم وللفن وليمة من نوع خاص، على أرضه الرخامية التي تتوسطها نافورة وزهريات بأقواسه وزليجة وألوانه الخشبية العتيقة المعشقة بالفن وشرفاته الخشبية المطلة على صحنه وحجراته المقببة والمقوسة كتجاويف آلة العود يستقبلك وعلى جدرانه نبتت الزخرفة وتورق الخط وترنمت المنمنمات. تستقبلك لوحة خطية منمقة ومزينة كتب في وسطها ''يد الخطاط تسبقه إلى الجنة بما كتب من آيات''، والحقيقة أن يد الخطاط تصنع الجنة بما تكتبه من آيات، اللوحة مزخرفة ومشبكة بشبكة من الزهور والألوان ممضاة بخط الفنانة بوخضرة سلمي. لوحة ثانية مزخرفة أكثر إغراء، في الوقت ذاته تدعوك لوحة ثالثة مربعة الشكل زينت زواياها بأشكال زخرفية وكتب في أعلاها ''الله'' وسط هلال، وعلى الجانبين الأيسر والأيمن ''شافي'' و''حكيم'' وفي أسفلها فتح هلال كتب في داخله ''كافي''، وهي من إنجاز الفنانة الجزائرية باش سايسي فريدة. أما الخطاطة بن مري نوال من الجزائر، فقد ساهمت هي الأخرى بلوحة كتبت فيها بخط جميل ''إنا فتحنا لك فتحا مبينا''. وزخرفت الفنانة الأردنية آمال إبراهيم خليل على افتتاح المصحف. أما التونسية صادفي سلمى، فاختارت فاتحة الكتاب داخل تشكيلة من الزخارف على شكل شعاع داخل دائرة بخط مغربي جميل، فيما عرض الفنان الجزائري علي ولد رامول لوحة زخرفية منمقة. أما المدرسة الإيرانية بمنمنماتها وخطوطها وزخرفتها، فقد شاركت بعدة أسماء لها أثرها في المنمنمات والتشكيل والخط، منها الفنان أقميري مصطفى، حيث عرض لوحة مزخرفة ذات مستطيلات وسطها فراغ أبيض، ولوحة دائرية متناغمة ومنسجمة في دقة متناهية وسطها أبيض. من تركيا الفنانة فاطمة نور تفاسلي زينت المعرض بلوحة دائرية الشكل فيها خط وآية قرآنية، أما الفنان آيس نور سفاس فعرض لوحة باللغة التركية وبخط تركي بالحروف العربية، ومن تركيا أيضا، أتحفنا الفنان أمين مليحة نرمان فندس بفن الخط. وبالنسبة للمنمنمات الفارسية (الإيرانية)، فنجد الفنان كمال إلهام بلوحة لمجموعة من النساء على ساقية يغسلن الثياب، ولوحة منمنمة لصياد رشق غزالة بسهم فنزفت وبالقرب منها جديها، وطيور ملونة تنقط السماء، ويبقى الفنان كمال إلهام يعرض علينا جانبا من التحف الفنية والتاريخ وكأننا في قصص ألف ليلة وليلة، لوحة فيها سوق أمام مسجد، تجار، جمال، أحمرة نساء بلباسهن التقليدي، كما أتحفنا بلوحة (من وحي الموسيقى) رسم فيها مزهرا وامرأة تقدم الشراب في التواءات راقصة ورجال ونساء.. لوحة رائعة. الفنانة برانساس صايمة علي قدمت لوحة منمنمة لفرسان بعدتهم الحربية القديمة. أما ميرزة محمد علي من الهند فقد زخرف الجدار بمنمنمة لأميرة وأمير هندي. الفنانة فاطمة عبد الله صغير شريف من اليمن، اختارت لمنمنمتها صورة ''طفل'' و''امرأة''، أما مواطنتها الفنانة أسماء عبد الملك الشيباني، فقد عرضت منمنمة الضريح في شكل قبة. ومن فرنسا عرض الفنان اسباسيوز مارتين، منمنمة فيها صور لحيوانات، وأخرى لكنيسة، وصورة للعذراء مريم. أما مواطنه أودري هلويز فقد رسم فارسا وملاكا وامرأة وملائكة، ومنمنمة المسيح الملك والمسيح المصلوب. الفنانة الإيرانية مديحة دومادي عرضت لوحة منمنمة ''قاطفة العنب''. وقدمت الفنانة وسماء حسن محمد الآغا من العراق، منمنمة تصور خليفة وجارية تسقيه شرابا. لوحات الخط والزخرفة والمنمنمات كثيرة وقد شاركت الأنامل الجزائرية بكثافة في هذا الفن واستعرضت الكثير منه، وكذا البصمات الفنية الإيرانية والتركية والباكستانية، مثل الفنانة حسين مريم، منمنمة'' قصر ملك'' و''طيور الطاووس''. كما نجد من الجزائر مجموعة من الفنانين أمثال خليلي أحمد، جلغوم نوال، نذير شيبوب، يوسف سكينة، محند حدوش وحمزة فريدة وغيرهم. المعرض الذي زرناه في قصر مصطفى باشا وجدناه خاليا من الفنانين، وتجولنا في غيابهم رغم أن الساعة كانت الواحدة بعد الزوال، وحسب ما صرح لنا به المتواجدون في المعرض، فإن هناك أعمالا موازية في فندق السفير من محاضرات وندوات، لكن غياب البرنامج وعدم توفره، وتأطير تواجد الفنانين إلى الساعة الخامسة مساء بقصر مصطفى باشا، جعلنا لا نملك المعلومات الكافية عن هذا المهرجان الدولي للمنمنمات والزخرفة الذي تشرف على تنظيمه وزارة الثقافة.