سلم، حرب، حياة، موت، حب، كراهية، هو الواقع الذي نعيشه والذي يتغيّر في كل لحظة، واقع عبثي لا يمكن التنبؤ بأحداثه والذي حاول جمال قرمي تناوله في مسرحيته ''نزهة في غضب'' من اقتباس نبيل عسلي عن مسرحيتين معروفتين الأولى ليونسكو ''سيناريو الغضب'' والثانية تحمل عنوان ''نزهة في جبهة'' لفرناندو أرابال. قدم المسرح الوطني الجزائري بعقر داره أول أمس في إطار المهرجان الدولي للمسرح المختتم أمس، مسرحية ''نزهة في غضب'' والتي تحصلت على الجائزة الخاصة للتحكيم في الطبعة الأخيرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، علاوة على جائزتين أخريين وهما جائزة أحسن أداء نسائي التي عادت إلى الممثلة ياسمين عبد المومن مناصفة مع الممثلة نادية لعديني من المسرح الجهوي لسكيكدة وجائزة أحسن ممثل واعد والتي عادت إلى الممثل نبيل عسلي، مناصفة أيضا مع ممثل التعاونية المسرحية لولاية سكيكدة حباني محمد عبد الحكيم. وقسّم المخرج عمله المسرحي إلى ثلاث لوحات، الأولى متعلقة بالعائلة والثانية بالحرب والثالثة بمنشطة لا تنكفئ في الإعلان عن الأخبار العاجلة، مبرزا في ذلك جذور الصراعات التي تبدأ من العائلة وتنتهي إلى صراع دولي يفقد العالم توازنه وذلك في خضم الأخبار العاجلة التي تحمل في معظمها أنباء سيّئة. وبدأت المسرحية بعرض موسيقى مختلطة ما بين الجزائري والغربي بالإضافة إلى رقصات من طرف الممثلات وتظهر لمسة قرمي من خلال اعتماده على لوحتين في مشهد واحد، المشهد الأول لزوجين شابين يعيشان السعادة الزوجية التي يعرفها عادة الزوجان في بداية حياتهما المشتركة وهاهما يتسابقان في منح شريك العمر الهديّة المناسبة، أما اللوحة الثانية فهي لعسكريين يقومان بحراسة مكان في زمن الحرب ولكنهما لا يعرفان من هو عدوهما فيعشيان تحت خوف القصف وفي انتظار يوم جديد يحمل السلم في طياته. لننطلق من لوحة الزوجين، هل ينعمان دوما بالسعادة خاصة بحمل الزوجة بعد انتظار دام سنتين؟ أبدا والسبب يعود إلى ذبابة! فحين يجد الرجل ذبابة في صحنه يثور ويشتم زوجته ويعيّرها بأنها ابنة تاجر مخدرات أما هي فتطلب الطلاق وتقول عن زوجها انه فقير وانه تزوج من أموالها، فسبحان مغيّر الأحوال!. لقد ظهر الزوجان على حقيقتهما فلم يعودا يستطيعان مواصلة العيش في حبهما وأصبح ذلك من ضرب المستحيل، ويبقى الزوجان على هذه السيرة، الرجل يهدد بالطلاق إذا خرجت امرأته من البيت والمرأة تقول أنها تريد الانفصال ولكن ليس قبل أن تستعيد كرامتها. أما اللوحة الثانية فتضم مشهدا لجنديين يذهب أحدهما إلى مكان مجهول ويبقى الآخر لوحده لا يفهم شيئا من فحوى هذه الحرب ومن هويّة العدو، وما يزيد الطين بلة، زيارة والدا الجندي في معقله، معتقدين أن ابنهما في نزهة فجلبا معهما مظلة واستلقيا يستمتعان بأشعة الشمس متذكرين بكل حب، ماضيهما الحربي الذي كان له معنى بدلا من حروب اليوم التي تضم جنودا يقتلهم الخوف وحيث لا يمكن أن تعرف من هو عدوك من صديقك. وساهم والدا الجندي في عبثية هذه اللوحة التي زادها عبثية، هو تصرف الجندي الآخر الذي التحق بالمكان، فهو يتحدث ويتصرف بنعومة النساء، حسنا، هل هو عدو أم صديق؟ وما معنى هذه الحرب التي أخذت أبعادا أخرى عن تلك التي تعرفها عن الحروب التقليدية وماذا أيضا عن هذين المسعفين اللذين يبحثان عن الجرحى وبالأخص الموتى في سباق مع زملائهما في جمع اكبر عدد منهم بفعل أوامر عليا؟ وتتداخل في بعض الأحيان هاتين اللوحتين مع بعضهما البعض، أما مذيعة التلفزيون فلا تتوقف عن قراءة الأخبار السيئة بابتسامة غير مناسبة من بينها خبر انتحار الصاروخ وخبر نهاية العالم، ليأتي في الأخير رئيس البلد مرتديا لباسا سخيفا ويمنح سكنات وسط تصفيق جميع من شارك في اللوحات بمن فيهم المسعفون المتعطشون لإيجاد المزيد من الموتى. وتجاوب الجمهور مع الإيماءات الجسدية والرقصات وفحوى كلام الممثلين، رغم أن البعض منها لم يكن له مبرّر، وحتى الربط بين لوحة الزوجيّن ولوحة الحرب لم يكن وثيقا، بينما كان تمثيل الممثلين في المستوى وهم عديلة بن ديمراد، ياسمين عبد المؤمن، وسيلة سوالم، نبيل عسلي، محمد بن داود، نجيب البصير، عيسى شواط، خليل عون،رضوان مرابط، زهير كريميري وجعفر حليلو. للإشارة اقتبست هذه المسرحية من مسرحيتين الأولى للمسرحي الاسباني أرابال تحت عنوان ''نزهة في جبهة'' والتي قدمها سنة ,1952 وقد ندد فيها بالحرب بشكل ساخر، أما المسرحية الثانية فهي للمسرحي من أب روماني وأم فرنسية، يونسكو والذي تميزت أعماله بالعبثية الساخرة أيضا وهو ما ظهر جليا في عمله ''الغضب''.