لم ينعم الرئيس الأمريكي طويلا بكرسي الرئاسة الأمريكية بعد أن مني بهزيمة نكراء أمام منافسيه من الحزب الجمهوري الذين تمكنوا من الفوز بالأغلبية في الكونغرس وكادوا يفعلونها أيضا في مجلس الشيوخ.وشكلت انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس المنعرج في معادلة السلطة في الولاياتالمتحدة ستكون لها انعكاسات مباشرة على سياسة هذا البلد في كل العالم بالنظر إلى تأثير الجمهوريين هذه المرة في تمرير قوانين مصيرية سواء في داخل الولاياتالمتحدة أو خارجها. وسيكون الرئيس الأمريكي مرغما هذه المرة على تنسيق عمله مع الجمهوريين إذا كان يريد تمرير مشاريع قوانينه التي يعتزم اتخاذها تنفيذا للوعود التي قدمها للناخبين الأمريكيين في انتخابات سنة .2008 ولم يخطئ محللو السياسة الأمريكية ونتائج سبر الآراء هذه المرة في توقعاتهم بخسارة الديمقراطيين في اول امتحان لهم بعد اقل من عامين من وصولهم إلى البيت الأبيض وبسط سيطرتهم على مجلس النواب والشيوخ وتأكد عدم قدرتهم في الحفاظ على ثقة الناخبين الأمريكيين بسبب فشلهم في الإيفاء بتعهداتهم بتحسين وضعية الاقتصاد الأمريكي والقضاء على ارتفاع مؤشرات البطالة التي بقيت تراوح مكانها في حدود 10 بالمئة. وهي معطيات جعلت الجمهوريين يحصدون 59 مقعدا نيابيا وهم الذين كان يكفيهم 39 مقعدا فقط لضمان الأغلبية في الغرفة الأولى. ولعل الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات سيكون الرئيس باراك اوباما الذي سيفقد الحرية التي كان يتمتع بها في تمرير القوانين وسيضطر من الآن فصاعدا إلى وضع ألف حساب لخصومه الذين سيعملون المستحيل من اجل إضعافه في نظر الرأي العام الأمريكي تمهيدا لقطع الطريق في وجهه في الانتخابات الرئاسية سنة .2012 بل يمكن القول إن الرئيس اوباما قد رهن كل حظ حتى للتفكير في مغامرة خوض عهدة رئاسية ثانية وهو الذي لم يتمكن من المحافظة على الوهج الشعبي الذي استطاع اكتسابه في حملة الرئاسيات التي مكنته من الوصول إلى البيت الأبيض كأول رئيس اسود في تاريخ الولاياتالمتحدة. وسيراهن الجمهوريون الذي تصدوا لمشاريع قوانينه على تشديد موقفهم لإضعاف موقفه أمام الرأي العام ضمن قبضة حديدية ستشتد بينهم لاحقا وسيكون الحزب الديمقراطي في موقع ضعف متلاحق. بل أن الرئيس اوباما سيكون مضطرا إلى مراجعة خطة إدارته للحكم في الولاياتالمتحدة وكل القوانين التي كان يصر على طرحها للنقاش وتمريرها بفضل الأغلبية التي كان حزبه يضمنها في غرفة النواب. وهي الرغبة التي لم يخفها النائب الجمهوري جون بوهنر الذي سينتخب على رأس الكونغرس شهر جانفي القادم خلفا لنانسي بيلوسي وقال إن الرئيس اوباما مطالب لان يغير سياسته بما يتماشى ورغبة الناخبين الأمريكيين.ويكون الرئيس اوباما قد فهم رسالة نتائج الانتخابات وسارع إلى القول انه سيبحث عن أرضية توافقية مع الجمهوريين وذهب إلى حد القول انه متلهف للعمل معهم في موقف، اكد من خلاله أنه أصبح في موقع ضعف وليس من مصلحته الدخول في مواجهة سياسية مفتوحة في قاعة وكواليس الكونغرس وانعكاسات ذلك على مستقبل حزبه. وهو ما اعترف به الرئيس اوباما في كلمة باتجاه الطبقة الوسطى في الولاياتالمتحدة قال فيها إن ''قدرتي على العمل لصالح أسر الطبقة الوسطى ستتعرقل إذا لم يكن معي أشخاص متعاونون في الكونغرس''. ويبدو أن هذه العائلات قد خذلته هذه المرة وهي التي راهن عليها لضمان احتفاظه بالأغلبية بعد أن مكنته من الوصول إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض قبل سنتين.وإذا حاول الديمقراطيون التشدد فإن كل مشاريع قوانينه ستموت في مهدها ولن يتمكن من تمريرها وسيكون حينها في نظر الرأي العام الأمريكي رئيسا فاشلا ويكون قد وضع برنامجا سياسيا فاق توقعاته ولم تكن بين يديه أوراق تحقيقه أو أنه لم يضع في الحسبان احتمالات خسارته في انتخابات التجديد النصفي التي ستغير الكثير من المعطيات في داخل الولاياتالمتحدة وخارجها.