على معزوفات المطر ورقصات السحب التي داعبت فساتينها الرياح فأبانت عن فتنة النقاء وكتبت في لوح المساء خاتمة للشعر وبداية للغناء بأصوات نسوية أبهرت الانتشاء، أرخت خيمة النشاط الثقافي بالصالون الدولي الخامس عشر ستائرها مساء أول أمس كحمامة أطبقت جناحيها لتنام على قصيدة في أحضان الحلم. الوجوه الأدبية الحاضرة والتي طار عنها غراب الشباب فشاخت القصائد في عيونها، ودقت نوابضها أجراس السفر البعيد، الوجوه التي ألفتها الكتابة حين أودعت أفكارها السطور جاءت كما طيور الفجر لكن في مساء خريفي لتسكن للشعر وترتشف معه كؤوس الورد، كما حضرت السيدة الوزيرة ذات المساء مبدية اعجابها بما وشوشت به زينب ورشا مشاعر الحاضرين. نشط الأمسية الشعرية الشاعر ازراج عمر ليعلن عن غياب الشاعر نوري الجراح، ليفسح المجال للشاعرة الجزائرية زينب لعوج لتغني زغاريدها »رباعيات الهبيلة«. ''براعيات لهبيلة'' قصيدة شعرية بلغة شعبية امتدت على تسعين صفحة كاملة حسب الشاعرة حيث اختارت زينب مقاطع منها: ''زقات زقات... زقيات مهبولة... أنا لهبيلة بنت لهبيلة.. فتحت شعرها وفرائه على نساء لقبيلة''. أما القراءة الثانية لزينب لعوج فكانت من مجموعتها الأخيرة ''مرتبة لقارئ بغداد''، حيث أنشدت زينب في البداية قصيدة للمرأة قالت في بعض منها: ''يجلدني الترقب كالملح المر... أوقد جمرة القلب لمن يرقص على حافة الجمر... أعاشر الوقت كما تعاشر عاشقا ينقلب كالسراب... هنا الزمان المنحط يستضئ بالعتمه.. لقد استحال غزالك أيها البربري المتكئ على بحر لا ينام.. أيها الموزع على عتبات الطفولة... أيها الموزع على عتبات الفرح... على مواويل الشوق.. طفح الخراب.. من قال أنك عريس الوهم''. وتطير زينب على جناحي وردة لتقول : ''أنغمس في عطر الأمهات المتألقات... في الغصة.. متألقة أنا في الجدات الهاربات من حملة التفتيش.. أيها الراسخون في الكذب''. وكانت القصيدة تعكس واقعنا العربي بعنف أزماته وبانكسار أحلامه وبانخفاض هاماته وقاماته التي لم تعد تطاول كبرياء النخيل. كما ترتمت بقارئ بغداد، حيث بكت في قراءته البكاء العربي بدموع الأوردة الحمراء قائلة: ''يا قارئ بغداد.. يا حادي النجم الضائع .. انهض من رملك من جبروت العزلة... يا قارئ بغداد... أيها الراحل الضارب في القسوة''. من جانبها الشاعرة رشا عمران التي صاحبتها عدة مجموعات شعرية منها »وجع له شكل حياة« و»منفايا جسدي« و»ظلك الممتد في أقصى حنيني«، أنشدت هي الأخرى نصوصا شعرية من نسج النثر فكانت البداية مع نص »دمعة« حيث تقول: »لم يخبرني أحد وأنا أجمع ذراتي الصغيرة.. لم أكن أعرف وأنا أحفر بصمت النمل طرقاتي الضيقة«. كما قرأت قصيدة أهدتها الى والدها كانت بدايتها »على الجدران الخضراء.. حيث كل عشية تنتمي إلى غريزتها«. الأمسية الاخيرة من وشوشة شعرية أبدعتها سيدتان من وطن انكسرت بوصلته وأخلطت الريح وجهاته الأربع.. حين امتطى الشعر أوجاع التراب وسف الرمل حينها زغردت النساء على بقايا مراسم لجنازة لم تشيع لوطن أثخنته الجراح.. كل الأوجاع العربية كانت خلاصتها صوت امرأة لم أجد صخرها لتقف على قلبه وتنبض بالشعر. هكذا كانت أمسية أول أمس للشعر تسقيه امرأتان دمشقية وأخرى تشبه الأندلسيات أيام ولادة، اختتم الصالون الدولي بالشعر ولكن من جنسه الآخر...