احتفلت مكتبة ''الشهاب'' أول أمس، بالذكرى العاشرة لتأسيس دار النشر ''البرزخ''، وذلك من خلال تقديم آخر إصداراتها ''الجزائر العاصمة، أو عندما تنام المدينة''، وهي رواية شارك في تأليفها عدة كتاب، وترصد الحياة الأخرى في العاصمة، والتي غالبا ما تبدأ بعد غروب الشمس. في كلمته الإفتتاحية، أشار السيد حجاج سفيان من دار ''البرزخ'' إلى مسيرتها خلال عشر سنوات من العمل والإبداع ومرافقة الأقلام الجزائرية المتألقة، لا سيما حين كان الإنتاج الأدبي رهانا صعبا في سوق لا يرحم المجازفة. في هذه السنوات العشر - يضيف المتحدث - تم تسجيل أعمال أدبية هادفة وجديدة، مكنت القائمين على هذه الدار من القراءة لهؤلاء المؤلفين الجدد، والتعلم معهم مهنة الكتابة ووسائل التعامل معها ومع ماهيتها من خلال التساؤل والنقد والنقاش وصناعة الكتب الأدبية، وطبعا كان لمؤسسات وطنية ودولية نصيب في تشجيع ''البرزخ'' على مواصلة هذا المنحنى. يقول حجاج: ''بدأنا بشاحنة تجوب القطر الجزائري، تقطع الطرق الصعبة وتصطدم بمفاجآت الطريق حتى ولو كانت قطيعا من الغنم، وتصطدم أحيانا أخرى بالمكتبات المغلقة وبغيرها من العوائق، لكن الدار استطاعت الصمود لنيل هدفها، الأمر الذي جلب لها احترام الجمهور وثقة المثقفين الذين فضلوها عن دور أجنبية أخرى (خاصة الفرنسية)، لنشر أعمالهم كرشيد بوجدرة، أمين الزاوي، ومايسة باي، حميدة العياشي وبشير مفتي وغيرهم كثيرون، ناهيك عن تشجيع الكبار لنا كالراحل عبد الرحمان بوشان، وفرانسوا ماسبيرو وصادق عيسات''. هكذا تم اختيار مجموعة من المبدعين تعاملوا مع ''البرزخ''، لحثهم على كتابة رواية مشتركة فلبّوا الدعوة، وكانت الثمرة ''الجزائر العاصمة أو عندما تنام المدينة''. من جهتها تحدثت سلمى هلال من ''البرزخ''، عن هذه التجربة الجديدة التي تجمع كتابنا من مختلف مناطق الوطن، متوقفة في عرض مطوّل عند صنف الرواية البوليسية، أو ما يعرف ب ''الأدب الأسود''، والذي تفتقده الساحة الأدبية عندنا في الجزائر، ماعدا بعض المحاولات التي يقوم بها ياسمينة خضرة.''الكتابة السوداء'' هي تعبير عن الحياة اليومية لمدينة مثلما هو الحال مع الجزائر العاصمة المليئة بالتناقضات والمطبات والإنسانيات وغيرها من المظاهر، والتي غالبا ما تجر إلى الحديث عن أمراض تفتك بمجتمعنا. كل كاتب شارك في الرواية، ألف في هذا ''الإطار الأسود'' وكل نص (يحمل عنوانا فرعيا واسم صاحبه) ترافقه صور فوتوغرافية عن العاصمة من توقيع المصورين ناصر مجقان وسيد أحمد سيمان، وتمتد فترة تصويرها من الثمانينات حتى صدور الكتاب في,2010 والمصوران زاولا العمل الصحفي الميداني ولهما نظرتهما المتطابقة مع نصوص الرواية، علما أن تعاونا مكثفا جرى بين بعض المؤلفين والمصورين. في تقديمها لخصوصيات ''الأدب الأسود''، أشارت سلمى إلى أنه ظهر في سنوات العشرينيات والثلاثينيات بالولايات المتحدة وهو أدب حضري (موطنه المدن الكبرى)، ويكشف حياة الليل في هذه المدن، وقد سبق أن بادر بعض الكتّاب الجزائريين إلى هذا النوع، وتم تأليف ''الجزائرالجديدة'' بفرنسا والذي أعادت ''البرزخ'' طبعه. للإشارة فإن المجموعة التي ألفت الرواية تتكون من شوقي عماري (وهو كاتب ساخر، له مقالاته النقدية التي يكتبها بيومية ''الوطن''، هاجر بالي (المتخصصة في الكتابة المسرحية)، حجار بالي وكمال داود (الكاتب الساخر صاحب عمود''راينا رايكم'' في جريدة ''كوتيديان دورون''، وأيضا الناقد الساخر حبيب أيوب. أثناء العرض، أشار الكاتب شوقي عماري إلى أنه العاصمي الوحيد المشارك في هذا العمل، مستعرضا الحياة المتناقضة في العاصمة بأسلوبه الساخر ومشاكساته مع باقي زملائه المؤلفين.يقول ''اعتنينا بالجانب الإبداعي لتصوير حياة صعبة، تعيشها العاصمة كل مساء، هذه المدينة التي يخاف سكانها الليل ويتفادون الخروج فيه، خاصة في مناطق وأحياء عرفت بقلة الأمن، وفي نصي اعتمدت على شخصيات مثل نسرين، حورية، وغيرهما وتحدثت عن مناطق محددة منها صخرة زغارة التي يتوافد إليها المنحرفون والمدمنون ليلا، وحاولت قدر الممكن وصف حياة هذه العاصمة دون أن حكم على أحد، فلكل مكانته التي لا يجب أن تشطب من الحياة حتى ولو كانت لمتعاطي مخدرات. وأشار شوقي إلى أن الجزائريين عموما يتخوفون من حياة العاصمة، لكن تناقضهم يدفعهم للهث من أجل الإقامة فيها، لأنها حسبهم مركز التمدّن والتحضر. من جهته، أشار الكاتب الوهراني كمال داود، إلى أنه تفاجأ من طلب ''البرزخ'' للكتابة عن العاصمة التي لا يعرف عنها الكثير، باعتباره لم يسكنها لكنه راح يجمع كل الوثائق والمعلومات الخاصة بالعاصمة التي هي ''ليست مدينته''، وهنا يذكر كمال ارتباط العاصمة ب''حافلة الجزائر''، ففي وهران يتذكر أبناء الباهية العاصمة عندما يرون ''حافلة الجزائر''، كما ارتبطت العاصمة في مخيلته ببعض الأحياء المعروفة كحي باب الوادي، إضافة إلى ارتباطها بفترات تاريخية معينة كالثورة التحريرية والعشرية السوداء، وارتباطها أيضا ببعض الشوارع المعروفة، كشارع طنجة مثلا وهكذا ويقول ''إنها مدينة كانت تخيفني في بعض صور حياتها الغامضة''. اعتمد كمال في نصه على سائق سيارة الأجرة الصفراء من نوع ,504 الذي يعرف خبايا العاصمة التي يحرص سكانها - حسبه- على الإحتفاظ بعاصميتهم أكثر من أية صفة أخرى. وتميز النقاش بروح الدعابة، حتى في عرض الآفات الإجتماعية التي يعيشها المجتمع.