كرست الدولة الجزائرية في سنة 2010 كل مجهوداتها المادية والمالية والبشرية لبعث التنمية وتحريك دواليب الاقتصاد وجعلت من أولوية نشاط الحكومة الاهتمام بالملف الاجتماعي سواء تعلق الأمر بالعمال وتحسين قدرتهم الشرائية أو بتوفير المحيط الاجتماعي اللائق من سكن وتوظيف ومساعدات اجتماعية لمستحقيها. وعلى المستوى الأمني بشقيه الإرهاب والفساد جددت الدولة الجزائرية عزمها على محاربة هاتين الآفتين بدون هوادة حتى استئصالها حماية للمال العام وضمانا لأمن المواطنين والحفاظ على ممتلكاتهم، واتخذت لذلك الإجراءات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية وعلى رأس هذه الإجراءات استمرار العمل بتدابير المصالحة الوطنية. بالرغم من الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت سنة 2010 فإن الأبرز فيها هو إطلاق مخطط التنمية الخماسية (2010 / 2014). لقد تميزت سنة 2010 على المستويين الاجتماعي والاقتصادي بتسجيل انجازات هامة، من أبرزها معالجة اشكالية الأجور، تحديد هامش الربح في الأنشطة التجارية لا سيما بالنسبة للمواد الواسعة الاستهلاك، إعادة التوازن لميزان المدفوعات وتفعيل فرص الاستثمار والتقليل من البطالة وترقية الحوار بين الشركاء الاجتماعيين. لقد شهد مطلع هذه السنة، توصل الثلاثية الى إقرار زيادة في أجور العمال برفع الأجر الوطني الأدنى المضمون من 12 ألف دج الى 15 ألف دج، أي بزيادة 25 بالمائة، وهي زيادة لم يشهدها سلم الأجور من قبل، وذلك تطبيقا للوعد الذي تعهد به رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات 23 فيفري ,2009 حيث وعد برفع أجور العمال وتحسين قدرتهم الشرائية قبل نهاية العام، وهو ما تم بالفعل في اجتماع الثلاثية في 3 ديسمبر .2009 وتطبيقا لنتائج الثلاثية، عرفت سنة 2010 وبالضبط في الفاتح ماي حدثا تاريخيا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، بالتوقيع على الاتفاقيات القطاعية المتعلقة بالقطاع الاقتصادي، والتي كان لها الأثر البالغ في تحسين القدرة الشرائية ل8,2 مليون عامل. ومثلما أكده رئيس المركزية النقابية السيد عبدالمجيد سيدي السعيد، مؤخرا فإنه تم توقيع 120 اتفاقية جماعية ولم يبق سوى اتفاقيتين جماعيتين لقطاعي الصحافة ومؤسسات تسيير المطارات. أما على صعيد الوظيف العمومي، فقد توجت مراحل إصلاح القطاع منذ صدور القانون الأساسي العام للوظيف العمومي سنة ,2006 بتحسن المرتبات تبعا لشبكة الأجور الجديدة لسنة ,2008 ومواصلة اصدار القوانين الأساسية حيث شهدت سنة 2010 قرابة الأربعين قانونا قطاعيا لحد الآن إضافة إلى الشروع في تطبيق نظام التعويضات الذي نتج عن العمل به زيادة إضافية في مرتبات الأسلاك المشتركة وعمال التربية. كما تميزت سنة 2010 على مستوى الحوار الاجتماعي بين أقطاب الثلاثية بتنصيب أفواج عمل مشتركة اشتغلت على اعادة بعث التعاضديات الاجتماعية للعمال، تثمين نظام التقاعد وإعداد اتفاقيات الفروع. وإذا كان لقاء الثلاثية في ديسمبر ,2009 قد أوصى بالشروع في عملية تحمل المؤسسات لأعباء المنح العائلية ابتداء من سنة ,2011 مع الإبقاء على تكفل الدولة بدفع 50 و75 بالمائة على أن تعفى الخزينة العمومية تدريجيا من دفع قيمة هذه المنح بشكل نهائي بعد سنتين، فإن الحكومة تواصل الحوار مع شركائها الاجتماعيين (المركزية النقابية الباترونا) قصد الوصول الى اتفاق ايجابي يعود بالفائدة على جميع الأطراف، بالرغم من أن الحكومة تقدر بأن الوقت قد حان لإنهاء تكفل الدولة بميزانية المنح العائلية، وهو وضع استمر منذ ,1992 حيث سعت الحكومة من وراء إعفاء المؤسسات الوطنية الى دعم الأخيرة على خلفية المصاعب الجمة التي كانت تواجهها أنذاك جراء تطبيق برنامج إعادة الهيكلة الذي أقره صندوق النقد الدولي في تسعينيات القرن الماضي. أما بخصوص الضمان الاجتماعي، فقد شهدت السنة المنقضية ميلاد الصندوق الوطني لاحتياط التقاعد الذي يتم تمويله من خلال تخصيص 2 بالمائة من الجباية البترولية، وهو آلية استحدثتها الدولة من أجل ضمان التوازن المالي لصندوق التقاعد لضمان معاشات المتقاعدين على الأمد الطويل. إلى جانب ذلك، وفي الإطار نفسه، عمدت السلطات العمومية الى تثمين العمل ببطاقة الشفاء، حيث تمت سنة ,2010 برمجة مشروع انجاز مركز بحث لتطوير بطاقة الشفاء ابتداء من سنة ,2011 يضطلع بمهمة متابعة تطور هذا النظام التعويضي الجديد ومسايرة تطور التكنولوجيات الحديثة المعمول بها في هذا المجال، علما بأن العدد الاجمالي للمستفيدين من خدمة بطاقة الشفاء على المستوى الوطني يقدر ب15 مليون مؤمن اجتماعيا وزعت عليهم لحد الآن 6,4 ملايين بطاقة شفاء. وفي هذا السياق، وسعت وزارة العمل والضمان الاجتماعي والتشغيل خلال سنة ,2010 قاعدة الدفع المسبق لدى الغير، وأبرمت اتفاقيات مع المراكز الاستشفائية العمومية يستفيد على إثرها المؤمنون اجتماعيا وذووهم، من العلاج المجاني إضافة الى إطلاق عملية الكشف المسبق عن سرطان الثدي عند النساء وذلك في إطار استراتيجية الدولة للوقاية من هذا المرض الخبيث ومكافحته. ولما كان العقد الاجتماعي والاقتصادي الموقع في أكتوبر ,2006 يهدف الى ترقية اقتصاد متنوع وكفيل باستحداث مناصب الشغل والثروات قصد تقليص التبعية إزاء المحروقات، تمكنت السلطات العمومية عبر الحوار بين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين ومن خلال تنويع آليات خلق مناصب الشغل وبعث وتيرة الاستثمار الوطني وتشجيع الاستثمار الأجنبي، من خفض نسبة البطالة سنة 2010 الى حدود 10 بالمائة. وتحقيقا للأهداف المسطرة في العقد الاجتماعي والاقتصادي على غرار تنفيذ المساهمة المنتظرة من السلطات العمومية لا سيما في مجال اصلاح النظام المصرفي والمالي وتطهير محيط المؤسسة والسوق ومكافحة النشاطات غير الرسمية ومرافقة ترقية الانتاجية والتنافسية، شهدت سنة ,2010 سن قانون يحدد قواعد الممارسة التجارية، حيث يسمح للدولة بممارسة دور الضبط، من خلال تحديد سقف أسعار المواد واسعة الاستهلاك، وذلك من أجل الحفاظ على توازن السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطنين كما شهدت سنة 2010 العوائد الأولى لتطبيق تدابير حماية الانتاج الوطني ودعم الاستثمار التي جاء بها قانون المالية التكميلي لسنة ,2009 حيث انعكس ذلك ايجابيا على ميزان المدفوعات وتمكنت الجزائر من تحقيق فائض تجاري ب8,14 مليار دولار، وهو ما يمكن استغلاله في دعم هياكل الاقتصاد الوطني وتفعيل فرص الاستثمار المنتج للثروة والقيمة المضافة. ومن أهم ما ميز سنة 2010 على المستوى الاجتماعي، العملية الواسعة لاعادة اسكان قاطني الأحياء القصديرية والشاليهات، حيث استفادت قرابة 12 ألف عائلة في العاصمة وحدها من سكنات لائقة، في انتظار تكملة برنامج سطرته الدولة من 45 ألف وحدة سكنية للقضاء النهائي على السكن الهش بالجزائر. وبرغم كل هذه الانجازات الاقتصادية والاجتماعية، فإن الأبرز في سنة 2010 هو اطلاق رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لمخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للفترة (2010 / 2014) وتخصيص غلاف مالي له بقيمة 286 مليار دولار، خصص منه 40 بالمائة لدعم التنمية البشرية باعتبارها أساس كل انتاج واستثمار انساني وتوزيع 60 بالمائة من الغلاف المالي على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها الأشغال العمومية، النقل، السكن (انجاز مليوني وحدة سكنية للخماسية القادمة)، دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (إنشاء 200 ألف مؤسسة جديدة) إضافة الى دعم الصناعة والاستثمار الوطني والأجنبي وإعطاء دفعة قوية للفلاحة لا سيما من خلال مسح ديون الفلاحين وتمكينهم من استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للدولة عن طريق الامتياز.