عكست التعليمات الرئاسية التي تدعو الحكومة إلى الإسراع في تدارك جميع الاختلالات في عملية إنجاز كافة المشاريع السكنية الحرص على تنفيذ البرنامج الوطني للتخفيف من الأزمة من جهة، ووضع كل طرف أمام مسؤولياته في ظل تصاعد موجهة الاحتجاجات المرتبطة بالقطاع من جهة أخرى. ولم يستعمل الرئيس بوتفليقة في تعليماته الموجهة للحكومة خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير لغة ''مشفرة'' بل شدّد في تناوله لملف السكن على ضرورة أن يتحرك الجهاز التنفيذي في اتجاه تحقيق كافة الأهداف المسطرة في البرنامج الرئاسي، وإزالة كل العراقيل التي تحول دون الوصول إلى تحقيق النتائج المرجوة علما أن هذا القطاع يشكل أحد الرهانات الأساسية لترقية الظروف المعيشية للمواطن. ولاحظ الرئيس بوتفليقة خلال مجلس الوزراء أن هناك عددا هائلا من السكنات الاجتماعية ذات الطابع الإيجاري لم يتم توزيعها، وإن لم يتم التطرق إلى الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع فإن خلاصة التوجه الجديد هو أن هناك واقعا ''مُعابا'' يجب تجاوزه في أقرب الآجال، وهنا يتعين على السلطات المركزية التحرك لتداركه من خلال التنسيق مع السلطات المحلية التي تتحمل هي الأخرى جانبا من المسؤولية. ولم تأت تعليمات الرئيس بوتفليقة من العدم بل استندت إلى تقارير رسمية تشير بوضوح إلى أن هناك ''تماطلا'' في عملية التوزيع وتتحمل المسؤولية جهات محلية بدءا من الولاية والدائرة والبلدية إضافة إلى السلطات المركزية، حيث تشير إحصائيات رسمية إلى أن أكثر من 20 ألف وحدة سكنية لم يتم توزيعها، وهو ما أدى إلى بروز العديد من الاحتجاجات في العديد من مناطق الوطن. ويُتوقع أن تساهم تعليمة الرئيس بوتفليقة هذه في إصلاح الوضع كون الحكومة في الظرف الراهن مطالبة بمتابعة الوضع وعدم تأخير عملية تطبيق تلك التعليمات لأنها ستكون مضطرة بعد ثلاثة أشهر من الآن لتقديم حصيلة عملها بخصوص هذا الملف وعلى ضوء النتائج المسجلة يتم اتخاذ إجراءات. ولا يقتصر هذا الوضع على السكنات الاجتماعية التي تعود مهمة تسليمها للسلطات المحلية بل تمتد أيضا إلى صيغ أخرى من أبرزها سكنات البيع بالإيجار، فسكنات ''عدل'' ورغم الأموال الضخمة المرصودة لها من طرف الدولة تبقى كثير من الورشات، رغم مرور عشر سنوات من انطلاقها، معطلة وهو ما أدى إلى ظهور الاحتجاجات، والأكثر من ذلك فإن إدارة ''عدل'' أصبحت تتهرب حتى من تحمل المسؤولية في ظل تزايد حالات الامتعاض لدى المستفيدين، ووزارة السكن هي الأخرى ترى في هذه الوكالة ''إدارة'' لا تخضع لسيطرتها إلى درجة أن وزير القطاع قال في أحد تصريحاته ''لست وزيرا لوكالة عدل''. وفضلا عن التعليمات الرئاسية الخاصة بتوزيع السكنات المنجزة فقد تم التشديد من جهة أخرى على ضرورة استكمال بعض ورشات السكن الترقوي التي ما تزال معطلة بسبب نزاعات شتى، وأمر الحكومة بإيجاد حل للوضع القانوني لهذه الحالات وتهيئة السكنات كي لا تبقى غير مأهولة، وكذا التعجيل في تنفيذ برنامج السكن الريفي الذي يصل مجموعه إلى 700 ألف وحدة سكنية وإطلاق ثلثه على الأقل قبل نهاية السنة الجارية، وتكثيف وتيرة إنجاز 340 ألف وحدة سكنية الموجهة للقضاء على السكنات الهشة. وتنم كل هذه التوجيهات عن حرص الرئيس بوتفليقة على إعطاء دفع لكافة الورشات المعطلة، و''نفخ روح جديدة'' في كافة المشاريع وبخاصة في عمل المشرفين على انجازها من خلال وضع كافة أجهزة الدولة المعنية أمام مسؤولياتها إزاء هذه الملفات التي تراهن عليها السلطات العمومية بقدر كبير الى جانب ملفات أخرى منها التشغيل على وجه الخصوص لتحقيق التوازن الاجتماعي. وضمن هذه الرؤية فإن كافة الهيئات عليها استغلال الظروف المالية المريحة للبلاد لتدارك النقائص التي تتحمل جانبا من المسؤولية في حدوثها، من منطلق أنه لو سعت كل هيئة للقيام بالمهام المنوطة بها لما برزت تلك المشاكل المرتبطة بورشات سكنية تم إطلاقها، فالتأخر المسجل في إنجاز المشاريع السكنية والعراقيل التي حالت دون انطلاق بعضها تعكس عدم وجود فعالية في تسيير هذه البرامج رغم توفر الإرادة السياسية والإمكانيات المالية التي خصصت للقطاع والتي تقدر بملايير الدولارات. والمنتظر من جميع المشرفين على هذه البرامج سواء من سلطة مركزية أو سلطات محلية التجاوب مع هذه الإرادة وتفادي كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تأزيم الوضع.